غير مصنف

الانسحاب الأمريكي من سوريا هل هو حقيقة أم عملية خلط للأوراق؟

 

جاءت تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول نية الانسحاب الكامل من سوريا، مغايرة لتلك التصريحات السابقة، التي ربطت مصير التواجد الأمريكي من عدمه بتحقيق ملفين اثنين، الأول هزيمة تنظيم “داعش” وهو ما تقول عنه الإدارة الأمريكية بأنه تحقق لدرجة كبيرة بعد تقلص المساحات التي يسيطر عليها التنظيم، أما الملف الثاني والذي يعتبر الأهم لإدارة الرئيس ترامب، وهو العمل على إخراج الميليشيات التي تدعمها طهران من سوريا، والعمل على ضمان عدم توسع مناطق سيطرتها، كما ويربط الأمر أيضا ببدء عملية سياسية بين أطراف النزاع السوري، تكون مفاوضات جنيف وقرارات الأمم المتحدة هي المرجعية لتلك العملية.

اليوم وبعد هذه التصريحات من قبل المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس ترامب، والذي صرح في العديد من المرات بضرورة عودة قوات بلاده إلى الوطن، يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات والتكهنات عن مصير المنطقة، خصوصا في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن نية تركيا إطلاق عملية عسكرية ضد المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الشريك الأساسي للولايات المتحدة والتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب، ولا يمكن الجزم أن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا جاء نتيجة الرغبة التركية بالسيطرة على مناطق نفوذ “قسد” شرقي الفرات، فقبل أيام قليلة هدد الأمريكان المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري بضرورة عدم المشاركة مع  الجانب التركي في العملية العسكرية محذرين إياها بعبارة “حين ترقص الفيلة ابتعد عن الساحة” والتي فهمت آنذاك بمعارضة تركيا، لم يكن التهديد للمعارضة السورية فقط، بل تم تهديد دول ثلاثي أستانا بنسف كل ما تم التوصل إليه في حال عدم الإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية السورية في وقت أقصاه نهاية العام الحالي، وإلا أنه سيتم العودة إلى مفاوضات جنيف التي تراها واشنطن ضرورة لبدء عملية سياسية حقيقة، وهو ما فهم وقتها بعودة أمريكية قوية إلى الملف السوري من الباب السياسي.

وكذلك لا يمكن القول إن قرار الانسحاب جاء بعد مفاوضات واتصالات أمريكية تركية، فالعلاقات بين البلدين في أسوء أوقاتها، إن لم تكن الأسوء منذ عقود، ويعود ذلك إلى الدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن ل “قسد” المدرجة على لوائح الإرهاب التركية.

قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا سيكون فرصة ذهبية للعديد من القوى المحلية والإقليمية في الوقت نفسه، فبالنسبة للجانب التركي يأتي هذا القرار في الوقت الذي تتأهب به القوات التركية مع المعارضة السورية لخوض عملية عسكرية، وهي التي هددت أي تركيا باجتياح كامل المنطقة الحدودية حتى مدينة سنجار في العمق العراقي، لقطع الطريق أمام الميليشيات الكردية لعدم التفكير بإقامة دويلة كردية على حدودها الجنوبية، أما روسيا فتعتبر المنتصر الأكبر من قرار الانسحاب، لما سيكون له من تبعات على تقاسم النفوذ في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط والغاز والثروات الباطنية، فهي أي روسيا كانت دوما تعتبر الوجود الأمريكي في سوريا غير شرعي كونه لم يأتي بطلب من حكومة تعدها شرعية في دمشق، وهو ما يعني بأن كل تلك المناطق ستكون من حصة نظام الأسد وروسيا، وبهذا تكون روسيا ضربت “عصفورين بحجر”، الأول إعادة تلك المنطقة للحظيرة الأسدية كون أن الميليشيات الكردية لن تستطيع الوقوف في وجه تركيا، والثاني وهم الأهم لها وهو السيطرة على ثروات المنطقة هناك من نفط وغاز.

أما الرابح الأكبر بعد الجانب الروسي، هي إيران، فلطالما ربطت الولايات المتحدة الأمريكية بقائها في سوريا، للعمل على إخراج الميليشيات الإيرانية بشكل كامل، وهو ما يعتبر هدفا مشتركا لكل من واشنطن وتل أبيب والتي وسعت من دائرة استهدافها للمليشيات خلال الفترة الماضية.

إيران والتي تسعى إلى تغيير البيئة الديموغرافية للأراضي السورية، قد ترى اليوم بأن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، هو من أكبر الفرص الذهبية التي قد تمكنها من إكمال مخططاتها التوسعية في المنطقة.

قد لا يكون القرار الأمريكي بالانسحاب الكامل من سوريا هو أمرا واردا في الفترة المقبلة، فالتواجد الأمريكي لا يقتصر على قواعد عسكرية صغيرة في المنطقة الشرقية، فأمريكا تنشر ما يقارب  15 قاعدة عسكرية، وهو ما قد يطرح التساؤلات الكثيرة عن توقيت طرح الإدارة الأمريكية لفكرة الانسحاب الكامل، في الوقت الذي تتسارع فيه خطوات القضاء على تنظيم “داعش”، وتهديد حلف “أستانا” الهش بنسف كل ما تم التوصل إليه من قرارات أن كان في سوتشي أو المباحثات الثلاثية في كازاخستان، والعودة إلى مفاوضات جنيف، وقد لا يكون قرار الانسحاب إلا لخلط الأوراق في المنطقة من جديد، ولتفكيك الحلف الثلاثي شيئا فشيئا خصوصا في ظل خلافات ذلك الحلف في العديد من الملفات مثل إدلب، وتوجه أنظارها إلى المنطقة الشرقية لملأ الفراغ بعد خروج القوات الأمريكية، والذي من الممكن أن يكون بداية نهاية الحلف، فهل الولايات المتحدة الأمريكية جادة بالانسحاب نهائيا من سوريا، ورفع يدها عن أبرز الملفات الساخنة في العالم، والذي قد يخرج عن السيطرة في أي وقت، أما أن هناك خطة جديدة لها تلوح في الأفق القريب.

سؤالٌ لعل الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عليه.

حمزة العبد الله (كفرنبل -إدلب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى