غير مصنف

مواسم الكلام

الحروف هي بذورنا الرائعة المقيمة في تربة أعماقنا ، تحمل في طيَّاتها جينات الكون البديع، مواسمها لا متناهية، في كل مطرةٍ تهتزُّ هذه التربة، وتختلج البذور لتعيش حضانتها في قلوبنا، تم يصعد نباتها واضعاً ثمارَه اليانعة على أطراف ألسنتنا، والمناخ المناسب لنمو هذه البذور هو الصدق ولا سواه، فبغيره يكون الثمر له شكل الثمر ولونه، وليس له طعمه ولا رائحته، لأنه نبت في مناخ التّكلف وفي غير موسمه، كما لو أنّ الشتاء تكلَّفَ الربيع ، فعندما تكون { وعلى سبيل المثال } في حضرة عينيها ، ووجدتَ بأنّ الكلام لا يحمل على حروفه من دمك ما يؤهله ليكون كحلاً لأهدابها ، ولا نسمةً ترقّ على شواطئ ضحكتها ، فاعلم بأنّك تكتب بمناخ التّكلّف، وإن الكلام الذي ستُنَبِّتُه، ومهما ذوّقته وجمَّلته، لن تجدَ له سوقاً في مدائن القلوب، لأنّه من إنتاج الصنعة، وليس من رحم العفوية التي يُخرجُ بها الربيعُ مكنونات جماله .

كلّما وقعتْ عيني على هكذا غلال، أخذتني الذاكرة إلى العنقود الرابض على صدر داليته، وكأنّه النهد المُخَلَّقُ من جمرٍ وخمرٍ والمتّشح خفراً بضفائرها الخضراء، والوقت على مرمى نسمتين من أصيل أيلول، لأقارن بينه وبين العنقود المصنّع من الشمع الذي يعلِّقه سائقٌ على جبين باصه.. باص الهوب هوب !!

الفرق بين العنقودين نفسه بين عفويّ الكلام وبين متكلَّفه.

 

عبد الرحمن الإبراهيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى