مدونة المرأة

أم محمود تحول منزلها إلى مشغل صوف

في غرفة مليئة بكرات الصوف تجلس أم محمود (40 سنة) لتنسج كنزة صوفية بسنارتين مخصصتين لذلك وتقول: “في بداية الأمر لم يكن لدي الإمكانية أن أشتري كميات كبيرة من الصوف بسبب حالتي المادية المتدنية، ولكن حاولت أن أجمع المال الذي أبيع فيه دون أن أصرف منه، ومن ثم أشتري به ما يلزمني من أدوات للنسيج”.

وأم محمود هي نازحة منذ عام 2016 من مدينة حرستا في ريف دمشق إلى مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي الواقعة على الحدود مع تركيا بعد أن سيطر نظام بشار الأسد على حرستا وكامل الغوطة الشرقية، وهي معيلة لأطفالها الثلاثة منذ أن توفي زوجها بعد نحو عام من النزوح بعد صراع مع مرض السرطان، وهي تحترف نسج الملابس الصوفية بطريقة يدوية في منزلها المؤلف من غرفتين ومنافعهما والذي تحول إلى منزل ومشغل في الوقت نفسه.

وتخضع مدينة إعزاز لسيطرة الفصائل الثورية ويبلغ تعداد سكانها قرابة تسعين ألف نسمة.

وأطفال أم محمود هم نور (11 عاماً) ومحمود (9 أعوام) وأحمد (6 أعوام)، وبدأ عملها بفكرة صغيرة ثم تطورت، ففي البداية كانت تنسج القطع حسب الطلب بمعدل أربعة قطع في اليوم الواحد، ثم دربت عدداً من الفتيات وتعاقدت مع سبع منهن على العمل لديها وافتتحت محلاً صغيراً داخل منزلها لبيع الإنتاج.

أحلام (21 عاماً) وهي إحدى الفتيات اللواتي تدربن على النسيج عند أم محمود تقول: “أقبلت على هذا العمل إقبالا كبيراً طامحة في تعلم هذه المهنة لأسباب عديدة منها أن العمل في هذه المهنة لا يستدعي خروج المرأة من بيتها خاصة اللواتي لديهن أطفال صغار يحتاجون لرعاية الأم، أيضاً كانت لدي الرغبة في التعلم لمساعدة أسرتي في النفقات والمصاريف”.

وتقول حسناء (23 عاماً) وهي مطلقة أجبرتها الظروف على العمل: “أردت تعلم هذه المهنة حباً بها فهي تعتبر فناً في تشكيل قطع الصوف إلى لوحات فنية صالحة للارتداء”.

أما أمل (20 عاماً) فتقول: “أنا فتاة نازحة من مدينة حمص أعمل ضمن روضة لتعليم الأطفال وأردت ألا أختلف عن باقي فتيات عصرنا هذا، وبعزيمتي وإصراري الكبيرين حاولت أن أكون فرداً نافعاً في المجتمع، وبمساعدة الخالة أم محمود حاولت تعلم هذه المهنة بدل الجلوس في المنزل بعد انتهائي من دوامي في الروضة كسائر الفتيات، ولا أنكر أن للخالة أم محمود تأثيراً كبيراً في حبي لهذه المهنة”.

وأم محمود امرأة اجتماعية لديها عقلية تجارية مميزة تمكنها من كسب مزيد من الزبائن.

أم يوسف (33 عاماً) وهي إحدى زبونات أم محمود تقول: “أنا أشتري ما يلزم من الألبسة الصوفية لأطفالي الثلاثة من عند أم محمود التي تعتني بعملها وتنسج بطريقة متينة وجميلة أفضل من ألبسة السوق وكل همها إرضاء الزبون”.

وهو ما تؤكده أم حسن (35 عاماً) وهي جارة لأم محمود وتقول: “ذهبت أم محمود إلى السوق واشترت ما يلزم من صوف وأدوات عمل وصنعت أشياء كثيرة ومتنوعة نالت إعجابنا، ثم صنعت ملبوسات جميلة نالت إعجاب جميع الأذواق، وقد كنت من بين النساء اللواتي يشترين كل ما يلزم لأطفالهن وبأسعار مناسبة من عند أم محمود”.

ولم يقتصر عمل أم محمود على البيع بالمفرق وإنما واظبت على عملها حتى أصبح أصحاب المحلات يطلبون منها كميات متنوعة من الملابس.

حسام الرافع، وهو صاحب محل في قرية سجو القريبة من مدينة إعزاز، يقول: “عمل أم محمود متميز عن غيره ومتقن وأسعارها مناسبة وأجد ما يلزمني عندها، وفي هذه الظروف الصعبة أصبح عمل المرأة واجباً كون المرأة هي المساعد الأكبر للرجل ونجاحها هو الشيء الأهم على الإطلاق”.

بعد أن تمكنت أم محمود من تحقيق ذاتها من خلال الانتشار الملحوظ لمنتجاتها لم تتوقف تجربتها عند ذلك الحد، وبسبب تراجع حرفة نسج الصوف في الصيف وعدم رغبة الناس بشراء الملابس الصوفية خطر على بال أم محمود أن تتعلم مهنة الخياطة بالإضافة لعملها، وبالفعل تمكنت من ذلك.

وختمت أم محمود حديثها قائلة: “أمنيتي الوحيدة الآن هي انتهاء الحرب والعودة إلى بلدي (حرستا) لأنني اشتقت لأهلي الذين لم أرهم منذ أربع سنوات، ولدي طموح كبير في تطوير عملي هناك وفتح مشروع أو معمل للنسيج والخياطة”.

بقلم آية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى