مدونة المرأة

آمنة طالبة ومعلمة تتحدى البراميل المتفجرة

تقول والدة أحمد، وهو تلميذ في الصف الرابع في مدرسة الجبل في قرية حاس بريف إدلب الجنوبي: “أصبح التعليم في مناطقنا خطيراً، أبقى خائفة حتى عودته إلى المنزل ورؤيته أمام عيني”.

لكن أحمد لا يأبه كثيراً لهذا الخطر ويقول: “نحن نحب معلمتنا فهي تقوم بإعطاء الدرس بشكل جميل وطريقة تجعلنا نفهم ما تشرحه لنا دون أن نشعر بالملل، وأتمنى أن تبقى دائماً معلمتي”.

ومعلمة أحمد وزملائه هي آمنة العبدالله (24 عاماً) وهي طالبة في كلية التربية في جامعة إدلب وفي الوقت نفسه تعمل معلمة دون أجر منذ بداية هذا العام الدراسي (2019/2020) في ظل تراجع التعليم وقصف النظام وحلفائه المتواصل قريتها حاس الخاضعة لسيطرة الفصائل الثورية.

ويبلغ تعداد سكان حاس نحو 25 ألف نسمة أكثر من نصفهم نزح من القرية منذ بدء حملة النظام وروسيا على ريف إدلب الجنوبي أواخر نيسان 2019 (والمستمرة حتى تاريخ كتابة هذه القصة).

وتراجع التعليم في إدلب بشكل عام بسبب الدمار الكبير الذي لحق المدارس، بالإضافة إلى قلة الموارد المالية نتيجة توقف الدعم عن كثير من المدارس، فضلاً عن ضعف رواتب الكادر التدريسي والنقص الحاد في الكتب المدرسية والوسائل التعليمية.

وبحسب دائرة الإعلام في مديرية التربية الحرة فإن منظمة “كومينكس” توقفت عن تقديم المنح للمدارس مع بداية هذا العام الدراسي والتي كانت تغطي ٦٥% من مجموع الدعم المقدم لمديرية التربية، ما تسبب بحرمان أكثر من سبعة آلاف معلم ومعلمة من رواتبهم ومنهم آمنة التي تقول:

“نحن نعلم أطفالنا لأنهم بناة سورية الجديدة وهذا العمل الإنساني لا يتوقف على راتب شهري وانعدامه لن يوقفني عن التدريس أبداً”.

وتتكون مدرسة الجبل (حيث تعلم آمنة) من أربعة صفوف (من الأول حتى الرابع) وبناها المجلس المحلي في قرية حاس بالتعاون مع منظمة تطوير بعد مجزرة الأقلام التي ارتكبتها طائرات النظام الحربية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2016، واستشهد فيها 34 مدنياً بينهم 14 تلميذاً وتلميذة وثلاث معلمات ومعلم واحد، والتي تتذكرها آمنة وتقول:

“أنا فخورة بوجودي بين هؤلاء الأطفال الذين سرقت منهم الحرب طفولتهم”.

وبالرغم من أن مدرسة الجبل بنيت في جبل حاس المطل على القرية من الشمال والبعيد نسبياً عن تجمعات المدنيين التي يستهدفها النظام عادة إلا أن من بقي من الأهالي ما زال متخوفاً ويخشى من حصول مجزرة في هذه المدرسة. وبهذا الصدد يقول مدير المدرسة عبد الكريم المحمد (60 عاماً):

“في ظل هذه الأوضاع لا نستطيع تعليم الأطفال سوى ثلاث ساعات خوفاً على حياتهم من قصف طيران الأسد وحليفته روسيا مع نقص مستلزمات الطلاب من الكتب وغيرها”.

وهو ما أكده المعلم عمار العبد (٣٣ عاماً) الذي شرح لنا خطته في تعليم التلاميذ اللغة العربية وقال: “أنا أعطي قسم النحو في اللغة العربية النصيب الأكبر من الحصص لأنها الأهم، فالطالب إذا تعلم الإعراب تعلم التشكيل الصحيح وبالتالي تعلم القراءة الصحيحة والمعبرة”.

ويروق ذلك لوالد التلميذ أسعد ويقول: “بالرغم مما تشهده البلدة من قصف ورعب فقد لاحظت على ابني استجابة واضحة عندما وضعته هنا، ابني في الصف الثالث، البارحة استطاع أن يقرأ بضعة أسطر من نشرة دواء”.

بينما تقول سعاد (33 عاماً) وهي والدة التلميذ حسام: “أنا وضعت ابني في هذه المدرسة لأنها متطرفة عن البلدة وقريبة من منزلي، طفلي يتحسن ولكن ليس بالدرجة التي أطلبها”.

وتمتدح التلميذة هبة معلمتها آمنة وتستمد منها الحماس وروح التحدي وتقول: “في بداية قدومي إلى المدرسة كنت خائفة، فدائماً كانت طائرة الاستطلاع (الروسية) في الأجواء ولا أريد البقاء، لكن معلمتي كانت تقول لنا يجب ألا ندع شيئاً يقف عائقاً أمام دراستنا، فيجب أن نتحدى كل المخاطر التي تعترضنا لتحقيق أحلامنا”.

والمعلمة آمنة متزوجة ولديها طفلتان وتتطلع إلى إكمال دراستها الجامعية في جامعة إدلب في ظل الحرب الدائرة وتقول: “منذ صغري وأنا أحب الدراسة ولم أتوقف عنها، كنت من المتفوقين، أكملت دراستي وحصلت على الشهادة الثانوية، قدمت على فرع التربية معلم صف بجامعة كلية التربية بإدلب”.

وتضيف: “درست السنة الأولى من الجامعة بكل جد واجتهاد، فقد كانت معدلاتي في المواد جيدة، كنت فرحة بذلك، لكن سعادتي لم تكتمل، فلم أستطع دفع قسط السنة الثانية من أجل إكمال جامعتي”.

وتبدي آمنة إيماناً قوياً بقوة الإرادة وتقول: “في ظل هذه الحرب يجب ألا نستسلم، يجب أن نكون قدوة لهذا الجيل الذي نشأ في الحرب ليبني مستقبلاً زاهراً لسوريا بعيداً عن الحرب”.

بقلم أمل الأحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى