مدونة المرأة

أم سليمان جعلت جزءاً من خيمتها دكاناً لبيع المنظفات

خيمة صغيرة مفروشة بحصيرة وسجادة رقيقة واسفنجتين، وفي زاويتها طاولة خشبية مرتفعة عن الأرض وضع عليها معجون جلي وأرز ومعطر ومسحوق غسيل وسيف وليف وغيرها من أدوات التنظيف، ووسط هذه الخيمة تجلس امرأة أربعينية اسمها آمنة وتكنى بأم سليمان.

وأم سليمان هي نازحة من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي منذ صيف عام 2019 إلى مخيم السلام القريب من بلدة قاح في ريف إدلب الشمالي، هرباً من نيران نظام بشار الأسد وحليفته روسيا الذين يشنان حملة همجية على إدلب أدت إلى استشهاد آلاف المدنيين ونزوح نحو مليون شخص من ديارهم إلى مناطق بعيدة عن القصف.

وتعمل أم سليمان في بيع المنظفات ضمن خيمتها، وهي أم لخمسة أولاد، وزوجها شهيد قتله نظام بشار الأسد خلال ملاحقته الثوار في بلدة حاس عام 2012.

وتتحدث أم سليمان عن رحلة نزوحها قائلة: “بعد الحملة العسكرية التي قامت بها قوات الأسد على بلدتي من قصف بالطيران والمدفعية أصبحت الحياة صعبة ولم أعد قادرة على البقاء في البلدة، لم يكن أمامي سوى النزوح بحثاً عن مكان آمن لي ولأولادي، نزحت في البداية إلى مخيم أطمة حيث تقيم أختي، ومن ثم إلى مخيم سرمدا، حتى انتهى بنا المطاف هنا في مخيم السلام على الرغم من قلة سكان أهل بلدتي فيه”.

كما تحدثت عن تجارتها السابقة وتجارتها الحالية قائلة: “عندما كنت في البلدة كان لدينا منزلنا الخاص ودكان كبير يحتوي على جميع أنواع الألبسة النسائية والولادية، بالإضافة لذلك كنت أبيع أدوات منزلية، والإقبال على الشراء كان جيداً، لكن بعد القصف العنيف ونزوح عدد كبير من سكان البلدة أصبح الإقبال على الشراء قليلاً”.

وتضيف: “وبعد استقراري في الخيمة بدأت بنقل أغراض الدكان وبيعها في المخيم لأن الخيمة صغيرة ولا تتسع لأغراض الدكان، وبعد تصفيتها بدأت أفكر بعمل أتمكن من خلاله من تأمين مصروف أولادي، فخطرت على بالي فكرة بيع أدوات التنظيف، فهي لن تأخذ مساحة كبيرة من الخيمة وفي الوقت نفسه هي مطلوبة ولا يمكن الاستغناء عنها، والحمد لله الشراء من قبل نساء المخيم جيد”.

قطع حديثنا صوت إحدى الجارات تنادي على أم سليمان لتجيبها “أهلاً وسهلاً أم خالد، تفضلي”، وبعد دخولها ألقت أم خالد التحية وجلست طالبة من أم سليمان كيلو معجون جلي وكيس مسحوق غسيل، وبينما كانت أم سليمان تجهز طلبها سألتها عن رأيها في أم سليمان فقالت: “هي امرأة حنونة ومجدة في العمل وتعمل على مساعدة المحتاجين، وأنا أشتري ما يلزمني من عندها، وأحيانا أشتري بالدين، والله يقدرني على رد جميلها”، لتقول لها أم سليمان: “ولا يهمك أم خالد الناس لبعض، والله يقدرني على مساعدتكم”.

كما شاركتنا الحديث أم محمود (50 عاماً) طالبة من أم سليمان علبة أرز وكيلو معطر وقالت: “أم سليمان امرأة نظيفة وتبيع بأسعار جيدة مقارنة بالشراء من المحلات، لذلك أنا أفضل شراء ما يلزمني من عندها، فهي ترحم الناس وتقدر ظروفهم الصعبة في ظل هذا النزوح”.

وقال ابنها سليمان: “أمي امرأة بكل معنى الكلمة، بعد وفاة والدي لم تتخل عنا وقامت بتربيتنا أحسن تربية، وهي تعمل من أجل تأمين لقمة قوتنا دون الحاجة للناس، وأتمنى من الله أن يحميها ويديمها فوق رؤوسنا، نحن لولاها ما كنا لنعرف ماذا سنفعل”.

وضيفتنا ابنتها الشاي الساخن وقالت: “أنا أحب أمي كثيراً، وهي حنونة وعطوفة علينا، ضحت بكل شيء من أجل ألا تتركنا نحتاج أحداً، الله يحميها، أتمنى أن أكون مثلها في المستقبل، هي أم مثالية”.

وتتذكر أم سليمان زوجها وتقول: “زوجي توفي منذ ثماني سنوات، أول بداية الثورة، لن أنسى ذلك اليوم ما دمت حية، عندما بدأت دبابات الأسد باقتحام جبل البلدة بحثاً عن الثوار كان صوت إطلاق الرصاص كثيفاً، وبعد عودتهم إلى حواجزهم تسارع أهل البلدة إلى الجبل وكان زوجي من بين الشبان الذين قتلتهم قوات الأسد ليأتي إلي جثة هامدة، تاركاً لي خمسة أولاد”.

وتتمنى أم سليمان أن ينتصر السوريون على نظام بشار الأسد وتقول: “الحياة صعبة وعلينا مواجهتها والتغلب عليها، أصبحت المعيلة الوحيدة لأولادي بعد وفاة زوجي، أتمنى أن تفرج علينا وعلى جميع أبناء سوريا ويحل السلام والاستقرار وأعود إلى بلدتي وأتابع الحياة فيها دون خوف”.

إعداد فريق “فرش أونلاين”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى