غير مصنف

فنجان قهوة

في يومٍ ربيعيٍّ مفعمٍ بالحياة، يومٌ كسابق أسلافه من أيام الحرب، لكن الربيعُ دائماً ما يعطي للنفس رونقاً آخر.

شدتني تلك الرائحة، وبما أنَّي إنسانةٌ فضوليَّة وددتُ أن أعرف من أين تأتي رائحةُ القهوة.

نظرتُ من شبَّاك بيتي وإذ بجارتي أمُّ وائل، على بُعد خمسة أمتارٍ فقط، ألقيتُ عليها السلام بعد أن لمحتُ معالم التعب على وجهها.

التعبُ الذي أصبح صديق الجميع، المهم قالت لي تفضلي يا نسرينُ لنشرب القهوة سويَّة.

بعد ربع سويعةٍ، طرقتُ بابها، وكلَّي فضولٌ لأعرف ماذا تفعلُ ولاء عند أهلها منذ الصباح.

ولاء تلك الفتاة الشابَّة، نظرتُ في عينيها الواسعتين اللتين كانتا مليئتين بالحزن، وقبل كلِّ شيء سألتها ماذا تفعلين عند أهلك قبل “الشَّحادة وبنتها”.

ردَّت عليَّ ضاحكةً ادخلي ونتحدثُ في الدخل.

جلسنا أنا وأمُّ وائل، والأسئلةُ شيطانٌ يدور في رأسي، لماذا التَّعبُ طغى على وجهها الجميل؟، لماذا أشعر بأن الدمع سينهمرُ من عينيها؟، ماذا تفعل ابنتها عند عندها؟، وماذا وماذا؟.

وأنا في حالة تفكيرٍ كيف سأبادرها بالأسئلة.

فجأة سألتني عن حالي وعن عملي، كانت حفيدتها كاتية تلعب في الصالون، قبل أن أجيبها عن سؤالها قالت لي:

هل تعلمين ماذا حلَّ بابنتي ولاء، قلت لا ما الذي يمكن أن يحدث لها، دائماً ما أسمعُ أنها سعيدةٌ مع زوجها وتعيشُ حياةً رغيدة.

تكلَّمت والدمع يفيض من مآقيها والكلام متلعثمٌ في فمها.

 

 

وقلبي أنا صار يخفقُ بشدةٍ خوفاً على ولاء، قالت لي أن زوجها استشهد في إحدى معارك ريف حماة.

ما..ما..ماذا، توَّقف الكلامُ وكأن ستارٌ حجب عنَّي الرؤية والكلام، هل ولاء أصبحت أرملة، وكاتية صارت بلا أب.

إنَّه الدمع الذي لم يفارقنا، بدون استئذان نزل على وجنتيَّ، وصرتُ أفكر كيف لفتاةٍ صغيرةٍ أن تتحمل قساوة الحياة، كيف ستكملُ باقي عمرها دون معيلٍ أو سند.

دخلت تلك البريئة “ولاء” واللباس الأسودُ آهٍ من اللباس الأسودِ اتَّخذ منها وطناً وملجأ، جلست بجواري ويداها ترتجفُ ووجهها المقمرُ الذي راح ضحيَّة الحرب، لم أجد كلاماً يعبَّر عن هذا الموقف.

وفي دقائق معدودة عمَّ الصمتُ على المكان كله، وكاتيه الطفلة الصغيرة التي كانت تسأل أمها كل عشرة دقائق عن أبيها، قالت أم “وائل الحمد الله على هذه الحال وعلى كل حال”.

هذه الحرب التي لا تعرف صغيراً ولا كبيراً ونحن عبارة عن أعداد في سجل تاريخ هذه الحرب، هكذا قلتُ لأم وائل وابنتها ولاء، خرجت من عندها ولا أعرف متى سنتوقف عن دفع ثمن هذه الحرب من شباب وأبرياء.

ففي يوم من الأيام ستشرق شمس الحق ولم يبق في هذه الحياة شيء اسمه ظلم.

نسرين الموسى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى