الأخبارمنوعات

“الجرنة” بعيون مهجري كفرنبل

تعود بذاكراتها إلى الوراء، تستذكر جمعة أولادها وأحفادها حول طبق الجرنة (أكلة شعبية من تراث كفرنبل) بعد قسط من الراحة خلال جني وقطاف محصول الزيتون.

تحدثنا الحاجة أم علي (سبعينية مهجرة من مدينة كفرنبل) عن طبق الجرنة الأكلة المشهورة في مدينتها، وكيف كانت تجمع أولادها وزوجاتهم وأحفادها كل أسبوع في منزلها العربي وفي مواسم الزيتون والتين والحصاد من أجل تناول الجرنة.

وتقول: “بعد ما نزحنا من الضعة تغيرت هاي العادة، اليوم كل حدا فينا صار تحت نجمة، وصرنا نجتمع بس في الأعياد والأحزان”.

شردت “أم علي” خلال حديثها عدة مرات وكأنها تعود بالذاكرة إلى ما قبل النزوح، حيث الجمعات ولمة العائلة تكاد تكون شبه يومية، أما حالياً فمن النادر حصول ذلك، فالنزوح باعد المسافات، لكنه لم يغير من عادات أهالي المدينة كما تقول، فأكلة الجرنة وبالرغم من كل ما حدث تبقى تراثاً يتناقله أهالي المدينة جيلاً تلو والأخر.

الجرنة أكلة شعبية من تراث كفرنبل

تعتبر الجرنة واحدة من المأكولات التي تميز مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، عن غيرها من المدن والبلدات السورية، فعند سؤال أي شخص من المدينة كبيراً كان أم صغيراً سيدهشك بمعرفته عنها وعن طريقة تحضيرها البسيطة، فبضع مكونات بسيطة، إضافةً للحجرة التي يطلق عليها الأهالي اسم الجرنة كفيلة بإعداد طبقٍ شهي خلال دقائق معدودة.

ما يميز هذه الأكلة بساطة إعدادها، حيث تحضر بطريقتين كما يقول الأستاذ محمود البيوش (سبعيني العمر)، الأولى من ثمار البندورة والفلفل الأحمر سواءً كان مطحوناً أو على هيئة قرون والبصل والملح، إضافةً للزيت، حيث تهرس المكونات جميعها في الجرنة ويضاف عليها الملح والكثير من الزيت، أما الطريقة الثانية، ففي البداية تشوى ثمار الباذنجان على الحطب أو على مواقد الغاز حتى تنضج لتهرس بعدها ويضاف إليها المكونات السابقة كما في الطريقة الأولى.

ويضيف “البيوش”، أن لذة تناول الجرنة يكون من خلال تركها داخل الحجر، فهي نسبت إلى الحجر الذي تحضر داخله، وهي حجارة بازلتية تنتشر بكثرة في أراضي التين والزيتون في مدينة كفرنبل.

لكن وبعد النزوح أصبح من الصعب العثور على تلك الحجارة كما يقول، ما دفع محبي هذه الأكلة إلى شراء الحجرة (الجرنة) من المناشر، حيث أن قسماً كبيراً من أهالي المدينة لم يخرجوها معهم أثناء النزوح، لكنه لا يزال يفضل تلك الحجرة التي يتم حفرها يدوياً، مشيراً، أنه قام بصناعة حجر الجرنة بنفسه خلال تواجده في المدينة قبل نزوحه منها.

هل لا زالت الجرنة طبقاً على موائد أهالي كفرنبل؟؟

لم يغب طبق الجرنة عن موائد أهالي مدينة كفرنبل بعد تهجيرهم منها، بل لا زال يحافظ على مكانته حيث لا يزالون يحضرونه عدة مرات في الأسبوع، لكن غابت تلك الجمعة التي كانت تحصل سابقاً بعد تباعد المسافات بين أفراد العائلة الواحدة، وباتوا يحضرونه في أحجار جديدة يشترونها من المناشر، فالقديمة بقيت في منازلهم المسلوبة، وبالرغم من النزوح إلا أنهم لا يزالوا يحافظون على ما توارثوه من آبائهم، كما يقول “البيوش”، الذي رجح، أن أكلة الجرنة تعود إلى ما قبل 200 عام في مدينته، حيث يستذكر والدته الراحلة وهي تحضرها.

ويعتقد، أن أهالي كفرنبل الراحلين اكتشفوا الجرنة منذ سنوات بعيدة، لا سيما وأن المدينة تتميز بطبيعتها الريفية، وموسمي التين والزيتون، المواسم التي يكثر فيها تناول الجرنة.

لا ترتبط أكلة الجرنة بمناسبات خاصة، بل تحضر في كل الأوقات صيفياً وشتاءً، ويفضل أهالي كفرنبل تناولها في البساتين الزراعية بالقرب من المياه والخضار، حيث يحيط بالمدينة أراضي التين والزيتون، ولا تعتبر حكراً على الكبار بل أن للشباب المدينة طقوساً تميزهم حيث يحضرونها في جمعاتهم خلال الرحلات، ولا تزال عاداتهم تلك مستمرة حتى بعد النزوح.

إعداد: حمزة العبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى