تقارير

في ذكرى رحيل رائد وحمود.. “الثورة استمرت وما قتلها سلاح”

في مثل هذا اليوم قبل أربعة أعوام ودعت مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، ولديها البارين رائد الفارس ورفيق حياته ومماته حمود جنيد بعد استشهادهما في هجوم مسلح لا يزال جناته طلقاء حتى يومنا هذا.

استشهد رائد وحمود ذلك اليوم في هجوم أراد الجناة منه إسكات صوتين وقامتين من أبرز رموز الحراك المدني السلمي في إدلب خاصةً وسوريا عموماً.

أصاب الجناة وقتها جسد الشهيدين برصاصات أريد لها أن تسكت صوتهما بشكل نهائي لا سيما وأن الجناة أفرغوا مخازن أسلحتهم كاملةً على السيارة التي يتواجدن فيها بالإضافة إلى صديقهما الناشط علي الدندوش الذي نجا بحياته بأعجوبة من هجومٍ أراد مخططوه قتل كل من يتواجد مع رائد كي لا تتكشف حقيقة الهجوم الغادر حتى لو بعد حين.

لا تزال هوية الجناة في جريمة اغتيال الناشطين الإعلاميين رائد الفارس وحمود جنيد مجهولةً أو بالأحرى تم التستر عليهم حتى يتثنى لهم إسكات أصوات أخرى تجري في عكس تيارات ومخططات مشغليهم، فمن اغتال رائد وحمود اغتالهم لإسكات أصوات مؤثرة ومهمة في الحراك المدني، بعد عدة محاولات فاشلة سبقت الأخيرة، فرائد كان من الأصوات التي ذاع صيتها، فبذكائه وحنكته تمكن من كسب التأييد الشعبي في العربي والغربي من أجل مناصرة قضية السوريين ضد نظامٍ أباح دمهم ومدنهم وحولها إلى ساحات للقتل والتدمير.

محطات الشهيد رائد الفارس الثورية

عرف عن الشهيد رائد الفارس معارضته لنظام الأسد الأب قبل اندلاع الثورة، ليأتي ذلك اليوم الذي خلع فيه السوريون عباءة الخنوع والخضوع والخوف من نظام الأسد لتبدأ حقبة جديدة، فالسوريين بعد تاريخ الخامس عشر توحدوا على كلمة واحدة إلا وهي إسقاط نظام الأسد وبناء دولة مدنية جديدة.

حيث شارك “الفارس” في كافة المظاهرات منذ بدايات الثورة وكان من الداعين والمنظمين لها من أجل بناء دولةٍ لكافة السوريين بعيداً عن الطائفية والمذهبية، دولة تحترم أبنائها بدلاً من اعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم وإخفائهم قسراً في معتقلات تعد الأسوأ عالمياً.

آمن رائد بسلمية الثورة وكان من المناهضين لتسليحها من أجل عدم إعطاء الذرائع للجزار الذي لم يدخر جهداً إلا وبذله بهدف وأد الثورة وإسكات المناهضين له، وتشهد لـ “الفارس” بذلك اللافتات التي كان العقل المدبر لها، حيث يعتبر “مهندس لافتات كفرنبل” الشهيرة والساخرة التي وصلت للعالمية من أوسع بواباتها، لافتات جسدت حقيقة مرة ومؤلمة لما يعانيه السوريين من ظلم الأسد لهم وخذلان الجميع، لافتات حملت طابع الفكاهة للسخرية من صمت المجتمع الدولي المطبق الذي أدار ظهره للسوريين وتركهم فريسةً لقاتلهم.

رافقت القضية السورية رائد في كل جولاته الخارجية، ففي كل حضور له كانت هموم المدنيين حاضرةً معه لإيصالها إلى أصحاب الضمائر الحية بعد خذلان الدول والهيئات الحقوقية لمعاناة السوريين والاكتفاء بعبارات الشجب والتنديد لا أكلا يزال السوريون يستذكرون كلماته في العاصمة النرويجية أوسلو أمام حشد من النرويجيين، حينها عرض عليهم صوراً ومقاطع مصورة لجزء صغير من جرائم الأسد بحق السوريين، وخاطبهم قائلاً: “إن الشعب السوري مستمرٌ في ثورته ولا يعتمد على المجتمع الدولي لذلك قرر العمل حتى يحرر نفسه من الظلم والقتل والعمل على تنمية ذاته للنهوض ببلده دون الحاجة إلى مساعدة”.

تمكن “الفارس” بعد جولات خارجية عديدة من تحصيل الدعم المالي من المنظمات الدولية التي تعنى بالشباب والمرأة والطفل حيث أسس مع مجموعة من الناشطين إذاعة راديو فرش في مدينة كفرنبل في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2013، إضافة لتأسيس مراكز تعنى بدعم وتمكين النساء ومعاهد تعليمية للأطفال ومراكز تدريبية لصقل وتنمية قدرات الشباب من أجل تهيئتهم لدخول سوق العمل بخبرات جيدة.

كان لتلك المراكز التي أسسها الشهيد رائد دوراً كبيراً في الحد من معدلات الفقر والبطالة، حيث مكنت آلاف الشباب من دخول سوق العمل وساعدت النساء على لعب دورهن الحقيقي في المجتمع، وزادت من قيمة الوعي الثقافي والاجتماعي.

محاولات فشلت لتكون الأخيرة قاتلة

فشلت عدة محاولات لاغتيال الناشط والإعلامي رائد الفارس خلال سنوات الثورة الأولى، حيث تعرض لهجوم مسلح عام 2014، من قبل عناصر تتبع لتنظيم “داعش” بالقرب من منزله في مدينة كفرنبل، ليتمكن الجناة من إصابته دون النجاح في قتله.

واعتقل عدة مرات من قبل جبهة النصرة سابقاً (هيئة تحرير الشام)، حينها كان “الفارس” مديراً لمنظمة اتحاد المكاتب الثورية في كفرنبل التي تضم عدة مشاريع منها إذاعة راديو فرش التي كان المدير التنفيذي فيها، وأطلق سراحه بعد مظاهرات شعبية منددة وغاضبة.

اللافت مما سبق، أن حياة الشهيد رائد لم تكن سهلة لكنه استمر في نشاطه بالرغم من كل العوائق فمن الاعتقال إلى محاولات الاغتيال ظل “الفارس” مواظباً على عمله في منظمة اتحاد المكاتب الثورية التي تعنى بالتنمية البشرية وتمكين الشباب والنساء في شتى المجالات وأهمها الشق الإعلامي، حيث لا تزال إذاعة راديو فرش تسير على خطاه في نقل معاناة السوريين وتسليط الضوء على الجرائم ضد الإنسانية من مختلف القوى في سوريا.

رائد وحمود الرجلان الشجاعان

كرّم معهد “ليغاتوم” في المملكة المتحدة الشهيدين رائد وحمود ومنحهما جائزة الشجاعة في الصحافة للعام 2019، على دورهما الكبير في توثيق جرائم نظام الأسد بحق المدنيين ونقل المعاناة الإنسانية المتجذرة وقتها نتيجة ممارسات الأخير من حصار وتجويع.

ووثق الشهيد رائد مع رفيقه حمود عشرات المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين لا سيما مجزرة عام 2012 التي نفذتها مقاتلات حربية تتبع لنظام الأسد في مدينة كفرنبل، مجزرةٌ راح ضحيتها 18 شهيداً.

فحمود جنيد الملقب بـ “مصور البراميل” وثق بعدسة هاتفه البسيطة الكثير من الانتهاكات البشعة بحق المدنيين في مناطق سورية مختلفة، خاصةً وأنه كان من أوائل النشطاء الذين يصلون إلى مواقع الاستهداف، وكان رائد من أوائل النشطاء والإعلاميين الذين أسسوا منابر إعلامية (راديو فرش) في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.

تمكن الجناة من إسكات صاحب مقولة “الثورة فكرة والفكرة لا يقتلها سلاح” لكنهم لن يتمكنوا من إسكات ما عمل عليه الشهيد رائد فالتغيير الذي أحدثه “الفارس” في المجتمع كان كبيراً وعميقاً ولن يتوقف حتى إنهاء سلطة الأسد حتى ولو بعد حين، حيث أن الشهيد مثل تطلعات جيل كامل من الشباب بعد هبوب رياح التغيير التي بدأت بثورات الربيع العربي في عام 2011.

بقلم: حمزة العبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى