انتظر استيقاظ ولدي من غيبوبته بفارغ الصبر
تغريد العبدالله (كفرنبل-إدلب)
رغم الصعوبات التي تعترض حياة كل امرأة إلا أن أولادها هم نقطة ضعفها، فعائلتها هي أساس حياتها.
متزوجة رزقني الله بخمسة أطفال (ولدان وثلاث بنات)، كانت الحياة قاسية في ظل الحرب الدائرة في بلدي، حيث تأقلمنا على إكمال مسيرتنا في هذه الظروف الصعبة والفقر المتفشي، فزوجي بعد انشقاقه عن نظام الأسد انضم للشرطة الحرة، وأنا تعلمت الخياطة، وولدي بدأ يعمل في مغسل للسيارات، وكل ما نجنيه بالكاد يكفي احتياجاتنا، والأهم من ذلك رؤية أولادي بقربي وهم بخير يشعرني بالسعادة.
لم يكتف ولدي بعمله، وكان رغم صغر سنه والذي لم يبلغ 16 عامًا من عمره، اندفاعيًا ويريد الالتحاق بالكتائب مع رفاقه للدفاع عن الوطن والقتال على الجبهات، حاولت منعه لكن دون جدوى، ذهب وسجل اسمه في إحدى الكتائب مع مجموعة لرفاقه، يخرج إلى الرباط عدة أيام ويعود كل فترة، كنت أعيش في قلق وخوف شديدٍ على حياته طوال فترة غيابه عن المنزل حتى عودته سالمًا.
وفي أحد الأيام جاء صديقه وأخبره أنهم سيخرجون إلى حماة مدة أربعة أيام، دخل إلى الغرفة وكان سعيدًا جدًا، يحدثني وهو ويرتب أغراضه في حقيبته، يقف ويرتدي جعبته ويدور داخل الغرفة ويغني، أسأله ألست خائفًا؟ رد ممازحًا “القلب قوي لكن قدماي ترتجفان”.
وفي المساء جاء رفاقه وغادر معهم، وفي اليوم التالي عند الساعة الواحدة ظهرًا أغارت طائرة حربية وقصفت مدينتي شعرنا بالخوف، وحمدت الله أن الجميع بخير ولم يصب أحدٌ من عائلتي.
وبعد مضي أربع ساعات، وأنا على باب المنزل جاء شاب وسألني أين عبد الحميد ولدك؟ أجبته؛ في الرباط مع رفاقه، حينها أرتبت من الوضع ليأتي شاب أخر من حارتنا وطلب زوجي فسألته، لماذا؟ حينها أسمعنا مقطع صوت على الهاتف، بمضمونه ذكر اسم ولدي وأنه بخير وهو في مشفى إدلب المدينة، قدمي لم تعد تحملاني وقلبي تسارعت دقاته وأسئلتي تكثر كيف وأين أصيب ؟؟؟؟؟
هنا كثر الكلام بعد مغادرة زوجي إلى المشفى، بأنه أصيب هنا في المدينة بغارة الطائرة ظهرًا، وأخر يقول حادث سير، لم أصدق وبدأت السؤال أين رفاقه؟ لم أجد أجابه حتى حل المساء وجاءت المجموعة وجميعهم قد استشهدوا، وولدي الوحيد الذي أصيب، علمت حينها أنهم كانوا على جبهة سنجار بريف المعرة، وتم إسعاف ولدي بعد أن وجده رجل على دراجته النارية على الطريق يركض وهو مصاب، وتم نقله إلى المشفى الوطني بمدينة المعرة وهناك حوله إلى مشفى إدلب.
خضع ولدي لعمل جراحي في يده وكتفه بسبب الكسور، رغم أن وضعه كان خطير بسبب نزيف في رأسه لم يكتشفه الأطباء حتى وصل النزف إلى 90بالمئة، حينها أدخلوه إلى غرفة العمليات بسرعة وأجروا له عملية حتى يتوقف النزيف.
مازال ولدي في غرفة العناية المشددة ومضى عليه سبعة أيام ولم يفتح عينيه، ولم يسمحوا لنا بالدخول لرؤيته، فهو لا يملك سوى ذلك النفس الذي يجعله على قيد الحياة، انتظر بفارغ الصبر خبر استيقاظه من غيبوبته، وعودته إليّ سالمًا لا أستطيع الرضوخ لفكرة خسارته، وعدم رؤيته يجول ويضحك ويكلمني.
ادعو الله دومًا أن يشفيه لي، لم أعد أحس بطعم النوم ولا الراحة أعيش قلقة من خبر يفاجئني ويدمر سعادتي به.