تقارير

لمحاسبته على جرائمه.. القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد وشقيقه

هجمات أزهقت مئات الأرواح لم تجد من ينصرها في ذلك الوقت، تكفل الزمان بطيها ونسيانها، تغافل العالم بأسره عن محاسبة مرتكبيها، ليتوه ضمن دائرة البحث عنهم، رغم أنهم لا يخفون على أحد.

سلسلة من المجازر المرتكبة بأسلحة محرمة دوليا كانت قد بدأت منذ أكثر من 10 سنوات عندما أقدمت قوات نظام الأسد على استهداف أحياء العاصمة دمشق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد بالأسلحة الكيميائية.

بعد 13 عام من مجازر نظام الأسد وروسيا دون محاسبة

أصدر قضاة التحقيق الجنائي الفرنسيون مذكرات توقيف بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد واثنين من معاونيه بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة ضد المدنيين في الغوطة عام 2013، وذلك عقب تحقيق جنائي أجرته الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس حول الهجومين بالأسلحة الكيميائية في شهر آب.

وشملت مذكرات التوقيف مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية في حكومة نظام الأسد العميد غسان عباس، ومستشار بشار الأسد للشؤون الاستراتيجية العميد بسام الحسن، بالإضافة لضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية، لمعاونتهم لنظام الأسد في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري.

يأتي ذلك بعد تقديم المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (scm) شكوى جنائية للقضاء الفرنسية من خلال مئات الأدلة الموثقة بفيديوهات وصور بالأضافة إلى شهادات لناجين وناجيات من هجوم أب\أغسطس 2013، الذي راح ضحيته مئات الشهداء والجرحى نتيجة استخدام قوات نظام الأسد بالأسلحة الكيمائية ضد المدنيين في مدينة دوما بريف دمشق.

وتم تقديم الشكوى الجنائية للقضاء الفرنسي بدعم من الأرشيف السوري ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح، ومنظمة المدافعين عن الحقوق المدنية، التي انضمت إلى التحقيق كأطراف مدنية، بالإضافة إلى أعضاء من رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية) AVCW).

وأعتبر مؤسس ومدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، “مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد ومعاونيه سابقة قضائية تاريخية لأخذ العدالة ونشر السلام ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من خلال استخدامهم أسلحة محرمة دولية في قتل النساء والأطفال الأبرياء”.

وأكد ستيف كوستاس، كبير المحامين الإداريين في مبادرة عدالة المجتمع المفتوح، أن هذه المرة الأولى التي يتم فيها مذكرة توقيف بحق بشار الأسد ومعاونيه لمحاسبتهم على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية واستخدامهم أسلحة محرمة دولياً في قتل الشعب السوري، وترسيخ مبدأ عدم وجود حصانة على الجرائم الدولية”.

وتضيف عايدة السماني، كبيرة المستشارين القانونيين في منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية: “نأمل أن ترسل مذكرات التوقيف رسالة واضحة وعالية الصوت إلى الناجين وجميع المتضررين من هذه الهجمات وغيرها من الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في سوريا، مفادها أن العالم لم ينساهم وأن النضال من أجل العدالة سوف يستمر.”

وأصدر القضاء الفرنسي حتى الأن سبعة مذكرات توقيف دولية بحق مسؤولين كبار في نظام الأسد، التي يحاكم فيها القضاء الفرنسي مسؤولين في قوات نظام الأسد على جرائم حرب ارتكبت في إطار عمليات عسكرية ضد المدنيين والتي شملت كل من اللواء الركن فهد جاسم الفريج نائب القائد العام للجيش ووزير الدفاع السابق في حكومة نظام الأسد، واللواء علي عبد الله أيوب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، والعميد أحمد بلول قائد القوات الجوية والدفاع الجوي، والعميد علي صفتلي قائد اللواء 64 مروحي ورئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك.

ووثقت الجهات والمنظمات المدنية المتقدمة بالشكوى لمحكمة القضاء الفرنسي، العديد من حالات استهداف المناطق المدنية الآمنة بغازات الأعصاب السامة من قبل قوات نظام الأسد وتحت إشراف ضباط رفيعي المستوى، على مدار سنوات الثورة السورية الثلاثة عشرة.

وفي مطلع شهر آب/ أغسطس لعام 2013 استهدفت قوات نظام الأسد بلدة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في ضواحي العاصمة دمشق، بذخائر متفجرة حوت داخلها غازات سامة مثل السارين والكلور، ما أسفر عن استشهاد راح ضحيتها المئات من المدنيين بين شهيد وجريح.

وتعتبر هذه المجزرة هي أولى المجازر التي ارتكبها النظام مستخدماً ترسانته الكيميائية ضد المدنيين العزل، إذ أنه أتبع ذلك بهجوم آخر بعد 16 يوماً وفي تاريخ 21 آب/ أغسطس، استهدفت قوات نظام الأسد أحياء زملكا وعين ترما بصواريخ محملة مواد سامة منها غاز السارين، ما أجبر المدنيين الخروج إلى أسطح المنازل لتجنب التعرض للغاز، وعندها قامت قوات النظام بقصف الأحياء بقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة ما أجبر المدنيين النزول من على أسطح المنازل، راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد والآلاف من الجرحى معظمهم من الأطفال.  

وأثبتت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية استخدام السلاح الكيميائي في مدينة خان شيخون دون أن تُحدِّد من قام باستخدامه، لكنَّ آلية التحقيق المشتركة التي أنشأها قرار مجلس الأمن 2235 الصادر في آب/ 2015، قد أثبتت مسؤولية نظام الأسد عن هجوم خان شيخون، كما وثَّقت لجنة التَّحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا مسؤولية نظام الأسد عن هجوم خان شيخون.

وفي اليوم المصادف للسابع من نيسان عام 2018 استهدفت إحدى مروحيات نظام الأسد وسط مدينة دوما في الغوطة الشرقية ببرميل يحوي الغازات السامة ليرتقي على أثر تلك الغارة ما يزيد عن ال 150 شهيد وليصاب ما يقارب الألف مدني بحالات اختناق، وتلك المجازر والاستهدافات التي لاقت إدانات دولية واسعة من قبل عدة دول وكيانات دولية وإقليمية، دون أي تدخل صريح لإنهاء المجازر أو إنقاذ حياة المدنيين.

ما أهمية القضية ومذكرات التوقيف؟

وتأتي أهمية هذه القضية نتيجة الأثر الكبير الذي تركته الهجمات الكيميائية في الغوطة الشرقية عام 2013 نتيجة عدد الشهداء والجرحى الكبير، ما يشكل سابقة قضائية لجهة تفعيل البيان السياسي ومحاسبة جميع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ويؤكد قرار قضاة التحقيق على ضرورة محاسبة المسؤولين عن مثل هذه الجرائم الخطيرة بإصدار مذكرات التوقيف، وأنه لا يمكن الإفلات من العقاب على هذه الجرائم. إن مذكرات التوقيف هذه هي الأولى التي توجه ضد رئيس دولة في منصبه وتتناول جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.

ما هو التحقيق القضائي وإلى متى يستمر؟

يتولى في التحقيقات الأولية ضباط الشرطة تحت إشراف المدعي العام ويليه قاضي التحقيق في القضاء الفرنسي ومن الممكن فتحها من قبل المدعي العام في نهاية التحقيق، أو من خلال تقديم شكوى مدنية من قبل الضحايا أو المنظمات غير الحكومية.

ويجوز للشخص المطلوب المطالبة بإبطال مذكرات التوقيف، فقط في حال تم استدعاؤه ومثوله أمام قاضي التحقيق لتوجيه الاتهام إليه رسمياً، فقط إذا لم يتم توجيه لائحة اتهام إليه أو إذا لم يتم إخطاره بأمر الإغلاق كما يمكن للمدعي العام أن يرفع طلب إبطال مذكرة التوقيف أمام غرفة التحقيق، أو أن يطلب سحب مذكرة التوقيف أمام قاضي التحقيق، وعند الاستئناف أمام غرفة التحقيق.

وتعني مذكرة التوقيف في النظام للقضاء الفرنسي أن يعطي قاضي التحقيق أمراً للسلطات بالعثور على الشخص المذكور وعرضه أمامه نتيجة لوجود أدلة كافية وثابتة تشير إلى أن الشخص شارك في ارتكاب جرائم حرب بالإضافة يجب أن يكون خارج فرنسا وهارباً من الجريمة التي ارتكبها ليتم عقابه عليها.

وبلغت الهجمات الكيميائية الموثَّقة في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان قرابة 221 هجوماً كيميائياً منذ 23/ كانون الأول/ 2012 وهو تاريخ أول استخدام موثَّق للسلاح الكيميائي في سوريا حتى 4/ نيسان/ 2019، دون محاسبة المسئولين عن هذه المجازر التي راح ضحيتها عشرات الألوف من الشهداء والجرحى المدنيين.

إعداد: محمد جعار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى