مدونة المرأة

فقدتُ حنانَ والديّ وهما على قيد الحياة

اسمي حياة أبلغُ ستة عشر عاماً من العمرِ، لديَّ أخٌ يصغرني بثلاثةِ سنين، نعيشُ مع جدِّي وجدَّتي، بعد أن حكمَ القدرُ على والديَّ بالافتراق، حيث قررَ كل منهما العيش بعيداً عن الآخر.

تزوج أبي وأمي بعد أن أحبا بعضها لعدةِ سنواتٍ، رغم العديد من الخلافات وعدم موافقة أهلهما، وبعد عام من الزواج بدأت الخلافات تنشبُ بينهما، حيث بدأت تلك الخلافات عندما وجد أبي عملاً خارج البلاد.

يأتي والديَّ للزيارة كل فترةٍ من الوقتِ، مع ذلك فإنَّ حدةَ الخلافات كانت تزدادُ يوماً بعد يوم بينهما حتى لاحت الثورة بأيامها الأولى في الأفق، وعمّت أنحاء سوريا، فباتَ أبي لا يستطيع القدوم باستمرار، كما حاولَ إقناع َأمي بالذهابِ معه، لكنها قابلت طلبه بالرفض الدائم، في سنوات الثورة قلَّت زيارات أبي حتى وصلت لمرحلةِ الانعدام الكامل، بسبب التشديد على الحدود والقرارات التي تتغير كل فترة، حتى وصل خبر زواجه من امرأة أخرى.

صُدمت أمي بهذا الخبر ولم تستطع تقبلهُ، تركت البيتَ وذهبت إلى منزلِ أبويها، وبعد مدة عادت لتعيشَ معنا، أما أبي كان يرسلُ لنا مبلغ من المال في بدايةِ كل شهر، كمصروف للعائلة، لم تستطع أمي البقاء، طلبت الطلاق وذهبت لمنزلِ أبويها مرَّةً أخرى، كانت هذه الأحداث المتسارعة كالصواعق التي تضيقُ بصدري ألماً وحزناً على حالِ عائلتنا.

بعدَ ذلك دعانا جدايَّ لنعيشَ معهم في المنزلِ، كنت أريدُ أن ترتسمَ بسمة على وجنتي في أحد الأيام ابتسامة حقيقية، ليست كابتساماتي ولا ضحكاتي الآن لأن معاني الألم والحزن الشديدين تتجلى خلفَ تلك الابتسامات، وخاصة عندما أجالس أحد الأشخاص ويقول لي “سيأتي يوم وأتزوج ويصبح لدي عائلة”، لكن كل فتاة بعد زواجها تزور أهلها وتحس بالسعادة لزيارتهم، وكنت أرى ذلك دائماً عندما تزور عماتي منزل جدي كل يوم خميس، ويجول في خاطري ما هو ذلك اليوم الذي أزور فيه بيت أهلي، لم أجد يوماً لافتقادي والدي، كانت تملأ الدموع عيني والحرقة تخترق صدري أملك أم وأب على قيد الحياة، لكنهم بعيدين عني ولا أشعر بحنانهما.

رغم ما يمر بنا في ظل الحرب الدائرة في سوريا وأنا في هذه الفترة بأمس الحاجة لوجودهما بجانبي، إلاّ أنهما لم يفكرا بي وبأخي، فهناك الكثير من الأولاد فقدوا أباءهم وأمهاتهم في الحرب، ولكن على الرغم من أن أبي وأمي مازالا على قيد الحياة إلاّ أننا أنا وأخي نشعر باليتم لبعدهما عنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى