فقدت فلذتي كبدي في أقل من عام
عمري 40عاماً ولدي ثلاثة أولاد وبنت واحدة، لم تكن الحياة ذات عيش رغيد بالنسبة لي، وما زاد من معاناتي هو استشهاد ولدي الاثنين.
فبعد قيام الثورة في بلدي، قرر ولدي الكبير أحمد ترك الدراسة والالتحاق بالجيش الحر والانضمام لجبهات القتال لصد هذا النظام الذي طغى في الأرض، لم نكن أنا ووالده نريده أن يترك دراسته ويذهب للجبهة خوفاً عليه فهو مازال يافعاً، ولكن أحمد أصرّ على ذلك وبدأ يذهب مع رفاقه الأبطال إلى الجبهات، وكلما ذهب ينتابني القلق ولا أستطيع النوم حتى يعود.
وفي يوم من الأيام أصيب أحمد بشظية كادت أن تفقده بصره، ولكن الحمد لله شفي من إصابته ولكنه قرر العودة ثانية إلى الجبهات رغم معارضتي أنا ووالده لذهابه، ولكنه كان يقول دائماً:” إذا لم أذهب أنا وغيري من الشباب للدفاع عن أرضنا وعرضنا من سيدافع إذن؟ “.
ذهب أحمد إلى الجبهة ولكن هذه المرة غير كل مرة، فقد ذهب أحمد هذه المرة ليعود إليَّ شهيداً، ويكسر ظهري بخبر استشهاده، أحقاً ذهب أحمد ولن أستطيع رؤيته مجدداّ، ضاقت الدنيا في عيني وشعرت بأنها توقفت هنا، أحمد يا نور عيني لماذا رحلت وتركتني.
مرّت بضعة أشهر على استشهاد ولدي، قرر ولدي الأصغر الذهاب لجبهات القتال من أجل الثأر لأخيه وكان يقول لي:” لن يهنأ لي عيش حتى آخذ بثأر أخي، ولن يضيع دمه سدى، وأصبح يشارك في معظم المعارك ضد جيش النظام”.
وفي إحدى المعارك التف الجيش حول مكان رباطهم وحاصرهم وقتل مجموعتهم كلها، وقع خبر استشهاد ولدي محمد على مسامعي كالصاعقة، وخصوصاً عندما علمت أنه ليس بإمكاني رؤية جثة ولدي من أجل وادعه الأخير ودفنه بجانب أخيه، فهم لم يستطيعوا أن يجلبوا لي جثة ولدي الشهيد ولا من استشهد معه.
سقطت أرضاً من الصدمة، يا الله لقد فقدت ولدي الاثنين في فترة لا تتجاوز الخمسة أشهر، وبدأت أشعر بأن بركاناً يغلي بداخلي، أولادي وفلذات قلبي وسندي فقدتهم في أقل من سنة يا لهول مصيبتي.
لم يبق لي سوى ولدي الثالث وأخته وكان عليّ أن ألملم جراحي واخفيها بداخلي فأنا لا أريد أن أفقد ولدي الأخير، أصبحت أصطنع الابتسامة رغم كل الحزن الذي بداخلي، وبتًّ ادعو الله أن يصبرني ويصبر كل أم مكلومة فقدت فلذةَ كبدها، وأن ينتقم لنا من هذا الطغيان الذي عاث في الأرض فساداً.