قصة حكيم تحكي واقع ثورة
يروى أن رجلاً حكيماً كان يعيشُ مع أبنائه، وكان عندهم بعضُ الأبل والغنم يرعونها ويكسبون قوت يومهم منها، وكان لهم كلبٌ يحرس المواشي والبيت من الذئاب واللصوص، وفي يومٍ من الأيام جاء رجلٌ وقتل الكلب، فجلس الأبناءُ عند أبيهم وقالوا له: يا أبانا إن رجلاً قتل الكلب الذي يحرس مواشينا، فقال الأبُ: اذهبوا واقتلوا من قتل الكلب، فاجمع الأبناءُ على أن أبيهم قد كبُر في السن وأصابه الخرف، فيكفُ يقتلون رجلاً من أجل كلب؟.
وبعد فترةٍ وجيزةٍ هجم بعض اللصوص وسرقوا الغنم والإبل، فعاد الأبناءُ إلى أبيهم وقالوا له: إن اللصوص سرقوا المواشي، فقال الأبُ الحكيمُ: اذهبوا واقتلوا من قتل الكلب، فتجاهل الأبناءُ كلام أبيهم ظناً منهم أن الخرف قد أصاب عقله.
وما لبثوا حتى هجم عليهم بعضُ الأشخاص واغتصبوا إحدى فتيات هذا الشيخ الحكيم وساقوها معهم، ففزع الأبناء ورجعوا إلى أبيهم وأخبروه ما حدث، فكان الردُ ذاته اقتلوا من قتل الكلب.
وهنا بدأ الأبناءُ يتباحثون رد أبيهم وقرروا أن ينفذوا ما طلبه منهم، وقام الأبن الأكبر وقال: سأنفذُّ ما قال أبي لنرى ما الذي سيحدث، فحمل سيفه وذهب إلى قاتل الكلب وقطع رأسه، وبدأت الأخبارُ تداولُ الأخبارَ أن فلاناً قتل رجلاً من أجل كلب، فسمع اللصوص بالخبر وقالوا: إنهم قتلوا رجلاً من أجل كلب فماذا سيفعلون بنا ونحن من سرقهم، وفكر من اغتصب بنت الشيخ بنفس الشيء فعادوا إلى بيت الشيخ الحكيم يطلبون العفو والسماح، وأعادوا ما سرقوه، وجاؤوا بالفتاة وعقدوا قرانها بشكلٍ رسمي، وهنا فهم الأبناء حكمة أبيهم.
وما أشبه قصة هذا الحكيم بواقع ثورةٍ أضاع أبناؤها حقهم فأصبحوا لقمة سائغة بفم كل طامع.
إنها الثورة السورية التي بدأت بكل فخر واعتزاز، خرج أبناؤها يهتفون ويصرخون بحريتهم، فتعرضوا لأشد وأقسى أنواع القمع والتعذيب، فكانت الثورة هنا بمثابة الشيخ الحكيم، الذي طالب بقطع رأس من نال من أبنائهم وشرفهم.
قاوموا بشكلٍ لا يوصف، قاوموا بالعزة والكبرياء حتى دخل بيهم الطامعون وبدأوا ينخرون في عظم الثورة.
فانصاع إليهم ضعفاء الإيمان، وضيع أبناء الثورة مطلبها في النيل من عدوها، وبدأوا بتشكيل الأحزاب والفصائل وغيرها، وأصبح كل فصيل ينصاع إلى أوامر دولةً تريد تحقيق مطامعها، وبدأوا الصراع فيما بينهم ونسوا أن رأس هذا النظام هو الهدف، والوصول إليه هو الحل لهذه القضية، ولكن كان الصراع الفصائلي للسيطرة على أرض حررت بدماء آلاف الشهداء، وحب السلطة هو أكبر معضلة تمر بها ثورتنا المباركة، التي بدأت بمطلب العيش بحريةٍ وكرامة لتنتهي بمطلب العيش فقط، تحت انتداب أو احتلال ، المهمُّ هو حياة من تبقى من شعب ذاق ويلات الحرب من العدو والصديق.
فحين انتهت قصة الحكيم بقتل قاتل الكلب، كانت العبرة أنه لا يجب التفريط بالحق، فيحسب لك الآخرون ألف حساب.
لكن في ثورتنا فرطنا في حق شهدائنا وأطفالنا ومعتقلينا، وفرطنا في مطلب ثورتنا، فانتهى بها المطاف في خيم بالية تحت رحمة الصحراء على الحدود مع ما يسمون أنفسهم أشقاء، وسيول تجرف خيمهم وشمس تشوي وجوه أبنائهم، لا ماء ولا غذاء ولا حتى أدنى مقومات العيش، وتحت رحمة منظمات تدعي الإنسانية، وأشخاص سفهاء ولَّوا أنفسهم ولاة أمرٍ عليها.
أصبحنا نضرب بعضنا بسيف عدونا فأضعنا قضيتنا، وكنا الأداة التي يتحاربون عليها ويقتلونها بنفس الوقت.
فهل نستطيع العودة بهدف ثورتنا ونستعيد حقوقها فتعود كما بدأت تفاوض الكبير قبل الصغير بشروطها.
والعبرة من قصة الحكيم وحكاية ثورتنا من أضاع حقه ضاع.
محمد سعيد العباس ( كفرنبل، إدلب)