دفنوا ولدي وأخي معاً ودفنت قلبي معهما
اسمي مريم من بلدة “حاس”، عمري أربعين سنة تزوجت من شاب من بلدتي ورزقني الله بثمانية أولاد (ست بنات وصبيان)، كان زوجي يعمل في التعهدات مع أخيه الكبير، وكنا نقيم في غرفة صغيرة مع أهل زوجي، ولكن بعد عمله بدأ زوجي ببناء منزل من المال الذي كان يجنيه من عمله حتى بنينا منزل كبير، كانت فرحتي كبيرة لا توصف، انتقلنا إلى منزلنا قبل بدء الثورة بحوالي عامين، كانت حياتنا جميلة تملاؤها المحبة والسرور، ولكن سرعان ما تحولت هذه الفرحة إلى خيبة أمل ملأت منزلي حزناً.
مع اندلاعِ الثورة السورية وبداية خروج المظاهرات التي تهتف للحرية، كان زوجي وولدي من أوائل المشاركين فيها، وعندما أمست المظاهرات السلمية كفاحاً مسلحاً ضدَّ الطغيان وتحولت أغصان الزيتونِ بنادقاً بين أيدي المتظاهرين، بدأ ولدي الكبير أحمد الذي لا يتجاوز السادسة عشر من عمره بالخروج في المعارك، حاولت كثيراً أن أصدَّه عن ذلك، لكنه كان مصراً على “الجهاد”، حتى خرج في أحد الأيام إلى جبل التركمان للمشاركة في أحد المعارك، كان قلبي يتقطع من الخوف عليه وكأن مكروهاً سيصيبه، جلست على فراشي أدعو الله أن يحميه، مضت ساعة حتى بدأ طرق الباب بقوة خرجت مسرعة لفتح الباب كان ولدي ممداً بين أيدي أصدقائه مصاباً بشظايا قذيفة وقعت بالقرب منه، حيث أصيب بوجهه وقدمه بقي مدة شهر حتى استطاع المشي على قدمه، وبعد شفائه عاد للمشاركة بالمعارك حاولت منعه خوفاً عليه لكنه كان مصراً على المشاركة في المعارك كانت أخر معركة شارك بها بريف حماه.
وفي أحد الأيام خرج برفقة خاله لتوزيع مادة المازوت على البلدات المجاورة لبلدتنا، وبعد صلاة الظهر نفذت أحد طائرات الغدر غارة على مدينة كفرنبل، حينها كان ولدي وأخي متواجدون في مكان الغارة، أصيب أخي وولدي بجروح عميقة وتم نقلهم إلى مشفى المدينة ولكنهم فارقوا الحياة فقد كان جسده ولدي محروق من النار التي اشتعلت بجسده الرقيق، دفن تحت التراب دون أن أستطيع رؤية وجهه لأخر مرة، كنت أخاف من فقدانه في المعارك لكنني فقدته هو وخاله في نفس اللحظة دفنا معاً ودفن قلبي معهما.
(أمل الأحمد)