لطالما حلمت بالعودة إلى وطنها لكن المنية وافتها قبل ذلك
اسمي عبير أبلغ منَ العمرِ أربعةَ عشرَ سنة، أعيش مع أسرتي أبي وأمي وإخوتي، فنحن أربع فتيات وصبيان، نسكن في منزل نملكه بمدينة بدمشق، وأبي يعمل في معمل خاص، حتى بدأت الثورة وعمت أرجاء سورية، وعندما كشرت الحرب عن أنيابها وباتت القذائف والصواريخُ تنهالُ كحباتِ المطر، أُجبرنا على النزوحِ باستمرار حتى انتهى بنا المطاف في مخيمات تركيا.
كانت الحياة قاسية جداً، فلأيام التي يفترضُ بها أن تكونَ أجملَ أيامِ حياتنا انقلبت علينا وحرمتنا من أنَّ نعيشَ طفولتنا بسبب الخوف الذي سكن بقلوبنا، كنا نشعر في المخيم بالأمان الذي فقدناه في سوريا، رغم أننا نعيش مثل السجناء تحيط بنا الشباك من جميع الجهات، إلا أنها أفضل كوننا بعيدين عن القصف، فقد التحقنا بالمدارس لنعوض ما فاتنا خلال فترة نزوحنا.
كانت أمي تسعى جاهدة لتجعلنا سعداء، فهي تسهر على راحتنا تلبي جميع حاجتنا تملأ الخيمة فرحاً ودفئ بصوتها وحنانها وخوفها علينا، لم نشعر بالغربة والعذاب الذي مررنا به، حيث أن أبي لم يكن في البداية معنا، بقينا حوالي السنة نحن وأمي لوحدنا، كانت أمي تحاول أخذ دور الأم والأب.
تمكن أبي من اللحاق بنا، ولكن بعد وصوله بفترة قصيرة ألم المرض بأمي وأصبحت تعاني آلاماً قوية، واستمرت على هذه الحال مدة شهرين، فنال مرض السرطان منها ودخلت غيبوبة مدة أسبوع داخل المشفى، وفارقت الحياة توفيت أمي وغابت وغاب معها كل شيء.
أصبحنا أيتام الأم والوطن، كان فراق أمي قاسياً جداً والخيمة فارغة بدونها، لم أعد أسمع صوتها ولا أشعر بحنانها، نجلس أنا وإخوتي والدموع تملأ أعيننا، والفراغ الذي تركته يحرق قلبي دموعي، تسيل من عيني مع كل دمعة ذكرى عشتها مع أمي تجول بخاطري أرى طيفها في كل زاوية.
ويزيد حزني أنها لطالما حلمت أن تعود إلى سوريا، وتنتظر أن يتوقف القصف ويهدأ الوضع لكن الموت أخذها دون أن تحقق ما حلمت به، وعادت جثة باردة على نعشها لتدفن بتراب الوطن سوريا.
كانت أصعب لحظات مررت بها أن أمي نقلت إلى سوريا دون أن أراها وأودعها، ولم يستطع أحد مرافقتها بسبب القوانين التي فرضها علينا المخيم.