مدونة المرأة

دفن ولدي تحت الركام ودفن قلبي معه

اسمي أم عمر عمري ستين عاما، لدي ثمانية أولاد أربعة بنات وأربعة صبيان، نسكن في مدينة كرناز بحماة، كان زوجي سائقا في باصات التوصيل إلى السعودية يذهب خلال فترة الحج فيغيب ثلاثة أشهر في السنة، وكنا نملك مزرعة نعمل فيها كعائلة على مدار السنة، رغم الفترة الطويلة التي يغيب فيها زوجي كانت حياتنا مستقرة، حتى اندلعت الثورة السورية وبدأ صوتها يصدح في جميع الأراضي السورية.

وفي الفترةِ التي كان زوجي خارج البلد، تعرضت بلدتنا والمناطق المجاورة لقصف مكثف من قبل قوات الأسد، وبعد أن طفح الكيل وطال البلاء ومع توارد الأنباء والأخبار أن الجيش الأسدي المجرم في طريقه لدخول المدينة المجاورة لنا وبطبيعة الحال سيدخل بلدتنا عند دخول المدينة، قرر اخوة زوجي مغادرة القرية، فغادرنا إلى قرية بريف إدلب حيث وصلنا قبل آذان المغرب.

وفي اليوم الثاني لنا في تلك القرية وتحديداً في الليل، وقع انفجار كبير هز أرجاء القرية التي نزحنا إليها، وإذا به صاروخ من نوع “أرض أرض” أطلقته قوات النظام، ليسقط على أحد المساجد الممتلئة بالنازحين ويودي بحياة العشرات منهم، لينهي حياة وأحلام وطموحات العشرات من النازحين، سيطر الخوف علينا وعرفنا أنه لم يعد هناك مأوى أمن في الأراضي السورية، وبدأنا نتجهز للنزوح خارج سوريا وبالتحديد للأراضي التركية، ربما نجد بعضا من الأمان على أرواحنا هناك.

رفض ابني أحمد الخروج معنا والذهاب لتركيا رغم اصرارنا الشديد على ذهابه معنا، فخرجنا بدونه ووصلنا إلى الحدود السورية ولازمنا الانتظار حتى مغيب الشمس، حاولنا العديد من المرات كي نستطيع الدخول لكن لا جدوى فقد كان حرس الحدود التركي يشدد بشكل كبير في تلك الفترة، وبفضل الله وبشق الانفس وبعد عشر محاولات ربما استطعنا العبور والدخول إلى تركيا.

كان الأمل يغمرني بعيش حياة خالية من الخوف رغم غصتي وخوفي الشديد على ابني أحمد وعلى بعده عني وبقاءه في مكانه الخطير، رغم التهديد الكبير الذي يمس بحياته.

وبعد فترة ليست بالطويلة بدأنا العمل في إحدى معامل البلاستيك لنؤمن المعيشة الغالية وأجرة المنزل المرتفع سعرها، مرت بضعة أشهر ليأتي شاب سوري وأزوج احدى بناتي منه ويقررا العودة والعيش في بلدة الشاب في سوريا.

أوصيت ابنتي كثيراً أن تسلم على أحمد وتخبره كم أنني مشتاقة إليه وتحاول إقناعه أن يلحق بنا قبل أن يحل به مكروه ما، وبعد عودة ابنتي إلى البلد جاء أخاها لزيارتها وأخبرها أنه انضم إلى أحد الكتائب، حاولت مرارا وتكرارا اقناعه بأن يترك القتال ويلحق، لكن كان ذلك دون جدوى فهو كان مصر على البقاء والجهاد لحماية أرضنا.

مضت سنة على ذلك الأمر حتى جاء ذلك اليوم الذي اخبرتني به ابنتي أن الطائرة استهدفت مقر المتواجد به أحمد، وأنها لا تعلم ماذا حل به وأن زوجها ذهب لمعرفة إن كان أحمد متواجد في المقر أو لا، وكانت هنا الفاجعة التي هزت أركاني ولدي تحت الركام ولم يتمكن أحد من اخارجه لأنه أصبح أشلاء تحت ما تبقى من مقره، دفن ولدي تحت الركام ودفن قلبي معه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى