موقفٌ على موقف
الشّاحنة الصغيرة ذات الدواليب الثلاثة، والتي كانت تكتظُّ بها شوارع مدينة المعرة، نسمّيها (طرطورة) وهذه التسمية اشتُقَّتْ من صوتها على ما أعتقد، لطالما أخذنا الكثيرَ من الحكم، ليس من أفواه المجانين، بل من قفا هذه الطرطورة أو تلك، حيث يختم بها الدّهان، وكأنه يترك فيها بصمته، قرأنا على قفا الكثير منهنّ عبارةَ: (( دخيلْ نبيكْ لا تنسَ ماضيكْ ))
كثيرٌ من البعثيين، ومن الذين كانوا على رؤوس مناصبهم، تبين لنا أنهم من قرّاء الطرطورات، ومن المنتفعين بما يقرأون، حيث صعبَ عليهم الانقلاب في نفس اللحظة من: بالروح والدم نفديك … إلى: يلعن روحك، وذلك من باب نطران القفا، هذا القفا الذي كان يلحُّ، أبي رحمه الله، عليّ من أجل أن انطره، وذلك بعدم الوقوع بما يشين، لأمنع عنه الألسنةَ الشغوفة بأكل القفا
في المقابل، رأينا معظم المشايخ الذين كانوا على رؤوس منابرهم ، يفقّهون الناسَ بأنوار الطاغية وبركاته، التي فاقت بركات الأنبياء، ويرفعون الأيدي إلى السماء، دعاءً له بطول العمر ودوام العزّ والقدر، وفي نفس الساعة، من رأس المنبر لرأس الساحة { ساحة الحرية }، ليعلن براءته أمام المتظاهرين من كفر الطاغية، متّهماً كلَّ من لا يلعنه بالكفر والمروق من الدين، فقط لأنه شعر برجحان كفّة الثورة، وكأنّه لم يمش طوال حياته خلف طرطورة، ولم يقرأ فيتعلم مما كتِبَ على قفاها، ربما لأنّ كلا وجهيه قفا، فلم يتمكن، فاحتار ـ وهو بين القفاءين ـ أيّهما سينطر !!
(عبد الرحمن الإبراهيم)