غير مصنف

سوريا الثورة إلى أين…….؟

أهمية سوريا الاستراتيجية

تعد سوريا أهم المراكز الاقتصادية بالنسبة لأطراف المعادلة الدولية الرئيسية، فموقعها على ضفة البحر المتوسط الشرقية يجعلها بوابة ساحلية للقارة الآسيوية.

كما أن موقع سوريا الذي يربط بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهي بذلك تقع على تقاطع خطوط التبادل والتجارة بين القارات.

أمريكا وبعض الدول الغربية تريد السيطرة على سوريا من أجل مد خطوط الطاقة من الخليج إلى أوروبا عبر سورية لكسر حاجة أوروبا للغاز الروسي وإضعاف روسيا التي يخافون منها.

وأيضاً تموضع سوريا شمال فلسطين يجعل منها هدفاً أساسياً لحركة الصهيونية العالمية، يجب السيطرة عليه من أجل تنفيذ مخططاتها في المنطقة.

كما أن سوريا غنية جداً بالثروات الطبيعية والبشرية والحضارية، ويعتبر البترول والغاز الطبيعي والفوسفات من أهم الثروات الطبيعية فضلاً عن التنوع الكبير في الإنتاج الضخم قد تدهش الكثيرين.

وفي أواخر عام 2010 برز ما أطلق عليه الربيع العربي، مما دفع السوريين إلى السير على هذا الدرب أملاً بالخروج من واقع الطغيان والفساد واحتكار السلطة، خصوصاً بعد نجاح ثورتي تونس ومصر وبعدهما ليبيا واليمن في الإطاحة برؤوس أنظمة تلك الدول.

فقد انطلقت الثورة السورية من احتجاجات شعبية عفوية سلمية في بعض المناطق السورية المهمشة يوم 26/2/2011تطالب بالحرية والكرامة والانعتاق ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية، وما لبثت أن عمت معظم مناطق سوريا، وقد ظن هذا الشعب المسكين أنه سيتمكن من إسقاط هذا النظام في زمن قصير كما حصل في دول الربيع العربي.

وبدأت شعلة الثورة من درعا في 26/2/2011، حيث قام بعض التلاميذ من مدارس درعا باحتجاجٍ عفويٍّ وكتبوا على جدران مدرستهم شعار” الشعب يريد إسقاط النظام”، لكن النظام قام بقمعهم بكل عنف وقامت أجهزته الأمنية باعتقال 15طفلاً، بسبب ذلك انتشرت دعوات على مواقع التواصل الإلكتروني للتظاهر احتجاجاً على الاستبداد وكبت الحريات، وقد استجاب لتلك الدعوات عدد من الناشطين يوم الثلاثاء 15/3/2011 في مناطق مختلفة من سوريا.

وكانت الانطلاقة الحقيقية للثورة السورية في يوم الجمعة 18/3/2011 بخروج مظاهرات عمّت الكثير من المدن السورية مثل درعا ودمشق وحمص وبانياس تحت شعار “جمعة الكرامة” وجوبهت بوحشية كبيرة من قبل الأمن خاصة في درعا، فاستشهد أربعة مدنيين على أيديهم في تلك المدينة، واستمرت المظاهرات السلمية طوال باقي أيام الأسبوع وحوّلها الأمن إلى أحداث دامية في محيط المسجد العمري ومناطق أخرى من مدينة درعا.

وفي 25/3/2011 توسعت المظاهرات فعمّت العديد من مدن سوريا تحت شعار” جمعة العزة”، واستمرت بعدها في الانتشار والتمدد شيئاً فشيئاً وأسبوعاً بعد أسبوع.

وقد حرص نظام الأسد منذ البداية على حرف الثورة عن مسارها السلمي وإضفاء طابع عسكري دموي عليها لتحويلها إلى حرب داخلية وصراع استقطابي إقليمي مستفيداً من تناقضات مصالح الدول الكبرى، ولم يتردد في قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيمائية وحصار المدن والقرى المناهضة له، في محاولةٍ منه لإخماد روح الثورة ولكنه مهما فعل لن يستطيع الوقوف في وجه من خرج لاستعادة كرامته وحريته المسلوبة.

الموقف العربي والدولي:

في 9/8/2011 سحبت السعودية والكويت والبحرين سفراءها من سوريا، كما أصدرت الجامعة العربية أول بيان لها بشأن أحداث سوريا، وبعد أسبوع حدث تصعيد غير مسبوق في مواقف الدول الغربية من الاحتجاجات، فبعد خمسة أشهر من الاكتفاء بإدانة القمع والدعوة إلى الإصلاحات أعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة في وقت واحد أن على بشار الأسد التنحي على الفور بعد أن فقد شرعيته بالكامل، وما زالت هذه التنديدات والاحتجاجات مستمرة حتى اليوم دون جدوى.

بعد هذه التصريحات من الدول العربية والغربية بدأت الانشقاقات في جيش الأسد والتي بدأها حسين الهرموش، وأُعلن عن تشكيل أول تنظيم عسكري يوحد هؤلاء العسكريين وهو ” لواء الضباط الأحرار”، ثم تلاه إعلان تشكيل “الجيش السوري الحر” وأعلنت هذه التنظيمات تنفيذ عشرات العمليات ضد جيش الأسد وقد أسفرت عن مقتل العشرات من كلا الطرفين.

طال أمد الثورة السورية مقارنة بثورات الدول العربية، وتعددت مبادرات الحل لهذا الوضع، وعقدت لقاءات دولية ومؤتمرات أشهرها جنيف 1وجنيف 2وجنيف3 وشهدت عواصم عدّة عبر العالم حراكاً دبلوماسياً قوياً لحلحلة الوضع، مع الأسف باءت جميعها بالفشل.

في أواخر 2011 وبعد أن رأى المتظاهرون بطش هذا النظام المجرم ومجابهته لغصن الزيتون الذي يحملونه بالرصاص الحي، اضطروا لحمل السلاح من أجل الدفاع عن أنفسهم، وطرد قوات الأمن من مناطق تمركزه، وعندها بدأت الثورة المسلحة.

وفي عام 2012 امتدت الثورة المسلحة إلى العاصمة دمشق وحلب، حيث تمكن الثوار من السيطرة على حوالي نصف مدينة حلب وفي آب 2012 استقال كوفي عنان من منصبه كمبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة في سوريا بعد فشل محاولاته في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وفي تشرين الثاني 2012 كانت ولادة الائتلاف الوطني السوري الذي ضم فصائل المعارضة الرئيسية، وقد كانت ولادته متعسرة بسبب الخلافات الداخلية والاتهامات بأن أعضاءها منفصلون عن الواقع على الأرض وهم في المنفى.

وتسببت همجية نظام الأسد في تهجير أكثر من ملوني+ ونصف المليون شخص معظمهم من النساء والأطفال وهو أكبر نزوح للاجئين في التاريخ الحديث، وقد تحملت الدول المجاورة عبء هذه الهجرة، وبذلت دول تركيا ولبنان والأردن جهوداً جبارة من أجل استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين، واستقبلت تركيا العدد الأعظم من المهجّرين.

وفي مطلع عام 2013 زاد عدد المهاجرين بشكل كبير نتيجة تفاقم الصراع في سوريا، ومعظمهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وبذلك يصل مجموع اللاجئين السوريين إلى تسعة ملايين.

ووثقت الأمم المتحدة في تموز 2013 قتل أكثر من 100 ألف شخص، وقد توقفت المنظمة الدولية بعد ذلك عن تحديث حصيلة الشهداء الذين تجاوزوا 140 ألف شهيد.

بدأت مفوضية تابعة للأمم المتحدة التحقيق في جميع الانتهاكات لحقوق الإنسان منذ آذار 2011 وبحسب التقرير ارتكبت قوات الأسد والقوات الموالية لها 17مجزرة أدت إلى استشهاد مئات المدنيين في عدة مناطق ومنها مجزرة بلدة الحولة في أيار 2012 ومجزرة بلدة بانياس في آب 2013.

وعلى الرغم من تحذيرات الكثير من الدول لنظام الأسد من مغبة استخدام السلاح الكيماوي، قام نظام الأسد في 21/8/2013 بتجاوز هذه التحذيرات لمعرفته بعدم جديتها، وأطلق صواريخ محملة بمادة السارين على الحزام الزراعي في الغوطة وتراوح عدد الشهداء بين 300و700شخصاً، ونفى نظام الأسد في البداية مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ واتهم المعارضة بذلك، ولكن تحت الضغوط الدولية وافق على صفقة أمريكية روسية لنزع أسلحته الكيميائية بنهاية حزيران 2013.

محادثات لإحلال السلام في سوريا

أجمع المجتمع الدولي منذ فترة طويلة إلى أن الحل الوحيد لا بد أن يكون سياسياً بعد فشل الطرفين في تحقيق انتصار عسكري حاسم ومع ذلك فشلت محاولات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.

وفي آذار 2013 اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على عقد مؤتمر في سويسرا لتنفيذ اتفاق جنيف 2012 وهي اتفاقية دولية تدعمها الأمم المتحدة وتنص على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا بموافقة الطرفين.

وفي كانون الثاني 2014 بدأت محادثات حول السلام لكنها توقفت في الشهر التالي بعد جلستين فقط، وأرجع مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي فشل المحادثات إلى رفض حكومة الأسد مناقشة مطالب المعارضة وإصرارها على التركيز على” مكافحة الإرهاب” وهو المصطلح الذي تستخدمه حكومة الأسد لوصف المعارضة.

بعد الهزائم المتتالية التي لحقت نظام الأسد منذ الربع الأول من عام 2015 وحتى بداية ربعه الثالث أعلنت وزارة الدفاع الروسية مطلع تشرين الأول عن قيام طيرانها بأولى غاراته في سوريا، وادعت حينها أن غاراتها الجوية استهدفت مواقع لتنظيم داعش، وهو الغطاء الذي تستخدمه روسيا لدعم نظام الأسد.

واعتبرت الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن ” التواجد الروسي” على أرض سوريا لحماية بشار الأسد من السقوط، لا يخدم الحل السياسي في سوريا وأن روسيا شريكة لنظام الأسد في جرائمه وأن التواجد العسكري الروسي سيؤدي لتفاقم المعاناة السورية وزيادة التدمير والقتل.

وفي آذار 2016 حيث دخلت الثورة السورية عامها السادس، ومع ذلك لم تستطع جميع المفاوضات والمبادرات الدولية من التوصل لإيجاد حل سلمي أو عسكري لقضية الثورة السورية، حيث لم يتمكن نظام الأسد من الحسم العسكري على الأرض، ولم تتوصل جميع المؤتمرات إلى حل يحقق طموح الشعب السوري الذي قدم الكثير من التضحيات.

كانت عملية درع الفرات التي قامت بها تركيا في الشمال السوري من أهم الأحداث التي ألقت بظلالها على مجريات الأحداث في الساحة السورية خلال عام 2016.

وتم تعليق مفاوضات السلام التي كانت جارية بجنيف السويسرية بتاريخ 29كانون الثاني بسبب الحصار والهجمات العنيفة التي قامت بها قوات نظام الأسد وداعميها ولم تُستأنف خلال 2016 مجدداً.

في مطلع 2017 شهدت الساحة السورية تواجد 3 حكومات تتنازع على إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها، فقد انعقدت أول جولة من مفاوضات أستانا في 23 كانون الثاني بدعم ورعاية روسية تركية إيرانية، وبلغ عدد الجولات المنعقدة لمفاوضات أستانا سبع جولات.

ومن أهم ما توصلت إليه هذه الجولات تحديد مناطق خفض تصعيد تُنشر بموجبها وحدات من قوات الدول الثلاث الضامنة لحفظ الأمن في مناطق محددة بسوريا شملت درعا جنوباً مروراً بالغوطة الشرقية لدمشق وريف حمص الشمالي ومناطق من ريف حماة وإدلب شمالاً، وعلى الرغم من ذلك لم تحافظ تلك المناطق على سلامة الهدنة وضمان الأمن والهدوء فيها.

كل جهود الأمم المتحدة تسعى لتصب في جنيف على الرغم من ذلك لم تنجح مفاوضات جنيف التي انتهت جولته الثامنة في 14/12/2017من التوصل إلى حل سياسي ناجع، وذلك لعدم جدية نظام الأسد في أي مبادرة تخدم مصالح الشعب السوري بل على العكس كان دائماً يسعى إلى عرقلة كافة الحلول المطروحة على طاولة المفاوضات.

رغم تعثر الجولة الثامنة من جنيف فقد ظهرت فيها متغيرات منها دعوة المعارضة لمفاوضات مباشرة مع نظام الأسد، في حين اقترح المبعوث الأممي دي مستورا ترحيل ملفي الدستور والانتخابات في سوريا إلى مؤتمر سوتشي.

وفي 15/7/2017 قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيقاف دعم المعارضة السورية وكان لهذا القرار الأثر الكبير على تثبيت نقاط خفض التصعيد في سوريا.

وفي عام 2018 حصلت تغيّرات عسكرية كبيرة حيث تراجعت فصائل المعارضة من أكبر معاقلها وخاصة في درعا، كما خسر تنظيم داعش مساحات كبيرة من مناطق سيطرته لحساب ميلشيا (قسد) بدعم أمريكي متواصل وأخرى تقدمت فيها قوات نظام الأسد بدعم روسي، في حين وسّعت المعارضة مساحة سيطرتها في ريف حلب بدعم تركي ولكن كان المستفيد الأكبر من هذه التغيرات هو نظام الأسد حيث تمكن من استعادة الجنوب السوري بأكمله بجرائمه المتواصلة نتيجة غض بصر أممي عنها، رغم كل تحذير وعقب كل هدنة، مستغلاً اتفاق (تخفيف التصعيد) الذي تزعم روسيا وإيران إلى جانب تركيا أنها ترعاه، ولكن لم تلتزم به إلاّ فصائل المعارضة.

وفي 20/1/2018 أطلقت تركيا بالاشتراك مع الجيش السوري الحر عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين والتي انتهت بالسيطرة على كامل المنطقة ووصل مناطق سيطرة الفصائل شمال حلب بمناطق سيطرتها غرب حلب وصولاً إلى محافظة إدلب.

وقد توصلت “هيئة تحرير الشام” في محافظة إدلب إلى اتفاق في منتصف تموز مع قوات الأسد المحاصرة في بلدتي كفريا والفوعة يقضي بخروج قوات الأسد وأهالي البلدتين مقابل إفراج نظام الأسد عن معتقلين بينهم مقاتلين من الهيئة، ويعتبر هذا الاتفاق استكمالاً لاتفاق المدن الأربعة (كفريا والفوعة) و(مضايا والزبداني) الموقّع بين جيش الفتح ووفد إيراني في شهر أيلول عام 2015.

وفي 17/9/2018 توصلت تركيا وروسيا إلى عقد اتفاق حول محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حلب وحماة واللاذقية في مدينة سوتشي الروسية وقد نص على وقف إطلاق النار في المنطقة، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلو متر على خطوط التماس بين مناطق سيطرة فصائل الثوار وقوات الأسد بإشراف روسي تركي، وكعادته نظام الأسد بخرق الاتفاقات والهدن فقد استمر في قصف جميع المناطق المشمولة وإرسال تعزيزات عسكرية إليها.

وفي 20/12/2018 أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً بسحب قواته من سوريا لكنه بقي قراراً منفرداً حيث اعترض على ذلك مسؤولون أمريكيون ووجهوا انتقادات لهذا القرار لأن مغادرة القوات الأمريكية لسوريا ستعزز نفوذ روسيا وإيران اللتين تدعمان بشار الأسد غير أن ترامب برر قراره في تغريدة على تويتر:” لقد هزمنا تنظيم داعش في سوريا ولم يعد لدينا مبرر للوجود هناك”، واستقال على إثر قرار ترامب وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس.

وبعد مضي ثمان سنوات على الثورة السورية ما تزال مجهولة المصير، والخاسر الأكبر فيها هو الشعب السوري المظلوم المقهور.

 

وفاء المحمد (كفرنبل_إدلب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى