غير مصنف

مخيم الركبان حين ماتت الإنسانية

ليس بعيدا عن دائرة الوطن السورية التي أصبحت غالبية مناطقها تحت رحمة قوات النظام وداعميه، وليس بعيدا عن سوريا الأسد التي يقول الموالون أن الحياة فيها أصبحت أفضل من العيش في باريس أو لندن، وليس بعيدا عمن يدعي العروبة وقلبها النابض، وليس بعيدا عمن يعتبر نفسه نظام “الممانعة” و”المقاومة”، وليست قصة هوليودية أو بولودية أو أحد أفلام الحرب العالمية أولها أو ثانيها أو فلماً يحكي عن حرب المغول أو التتار.

ليس بعيدا عن هنا أو هناك تقع بقعة من الأرض سورية المكان على حدود دولة عربية أخرى يوصف شعبها وقيادتها بالنشامى والشهامة.

مخيم الركبان أو كما يجب أن يقال مخيم الموت والذي يحتضن بداخله مئات الآلاف من السوريين ممن هربوا خوفا من بطش وقتل آلة الأسد العسكرية، هربوا ولا يهمهم ما قد يحل بهم، هربوا والأمل بغد مشرق يوفر لهم ولأبنائهم حياة أفضل لا يكونون فيها تحت رحمة من لا يعرفونهم من مليشيات جاءت من مشارق الأرض ومغاربها قاطعة مسافات كبيرة لتستخدم في قمع احتجاجات الشعب السوري الثائر ضد نظام لم يأخذ المطالب الجادة لشعبه على محمل الجد بل تعامل معها بكل قسوة وعنف.

مخيم الركبان في ذلك المكان الصغير المحاصر من كل جهاته شمالها وجنوبها شرقها وغربها، فمن يحاصر المدنيين هناك يعتبرهم إرهابيين يجب تصفيتهم، فحتى الماء والدواء نادرة الوجود نتيجة الحصار المفروض ممن يدعي حرصه على أبناء شعبه، ليس وحده نظام الممانعة من يفرض ذلك الحصار فليس ببعيد عن منطقة المخيم تقع المملكة الأردنية الهاشمية وهنا وجب التركيز على الهاشمية والتي يتغنى بها الأردنيون إضافة إلى لقب النشامى أي أصحاب الكرم والضيافة، إلا أن كل تلك المسميات كتب لها السقوط فمن يتغنى بها يفرض نوع أخر من الحصار على المدنيين في المخيم وهو ما يجب أن يكون عكسا لذلك إذا أراد أن المحافظة على شعاراته البراقة، فالمملكة الهاشمية لليوم تحارب المدنيين السوريين داخل منطقة المخيم بكل الوسائل الممكنة، فمن قطع للمياه والكهرباء إلا رفض إدخال مئات الحالات الإنسانية الحرجة والتي تفتقر منطقة المخيم للمراكز الطبية والصحية الخاصة للتعامل مع هذه الحالات.

قل ما شئت عما يحصل داخل ذلك المخيم التي ماتت الإنسانية بالقرب من تلك القطع القماشية التي لا تحمي من برودة الشتاء ولا حتى حرارة الصيف أو نسمات الهواء القوية، قل ما شئت فلا يوجد شيء مخبأ أو غامض، فكل الأحداث والمآسي التي يعيشها المدنيين تحدث تحت مراقبة أصحاب الشعارات البراقة ممن يدعون عملهم في حقوق الإنسان ويتغنون بالإنسانية والعدالة في أعمالهم مع أنهم وللحقيقة سقطت شعاراتهم الفضفاضة عند أول مأساة حدثت داخل أروقة تلك القطع القماشية.

عشرات القصص تروى بين أروقة تلك الخيام في منطقة يلفها الموت البطيء بشكل يومي، وتتزايد فيها الأوضاع الإنسانية صعوبة يوما بعد الأخر، طفل مات من البرودة الشديدة، امرأة قتلها المرض بعد عدم سماح المملكة الهاشمية بدخولها إلى أراض المملكة لتلقي العلاج الذي لو تلقته لكان سببا لبقائها فترة أطول على قيد الحياة، هذه أمثلة بسيطة عن قصص لو كشفت جميعها لكان عارا على من يدعي الإنسانية بأن يبقى مواصلا لعمله.

يبقى الوضع في مخيم الركبان رهينة للوضع السياسي المتوتر في المنطقة، فالمخيم يقع في منطقة بالقرب من قاعدة التنف العسكرية التي تتخذ منها قوات التحالف الدولي مركزا لعملياتها العسكرية ضد تنظيم “داعش”، ورغم ذلك إلا أن الوضع الإنساني يتفاقم يوم بعد الأخر مع تواطئ كبير من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية وحصار يفرضه نظام الأسد والمملكة الأردنية الهاشمية.

حمزة العبد الله (كفرنبل-إدلب)

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى