غير مصنف

المعتقلون…. موت الضمير وتغافل الجميع

منذ أن صمت العالم ووقف عاجزاً دون تحريك ساكن أمام عشرات آلاف الصور لضحايا قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات نظام الأسد سرّبها أحد المنشقين عن نظام الأسد عام 2014والذي اختار لقب قيصر، كان واضحاً بذلك أن بشار الأسد نجا مرة أخرى من كل جرائم الحرب والإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري.
لقد ملأ نظام الأسد سجونه ومعتقلاته ومباني أجهزته وأفرعه الأمنية ممن ثاروا ضد استبداده في آذار عام 2011، وقضى عشرات الآلاف منهم تحت التعذيب بينهم قرابة 11ألف معتقل حتى 2014(أي خلال 3سنوات) موثقين بالصور التي سرّبها القيصر.
وطوال السنوات الثمانية الماضية من عمر الثورة السورية، لم يغب ملف المعتقلين عن طاولات بحث الوضع السوري في جميع المؤتمرات والمحادثات الدولية وعلى رأسها أستانة، ومؤخراً على مستوى مفاوضات الهدن والمصالحات المناطقية، حيث تطرحه الفصائل العسكرية كشرط للتفاوض على التسوية واتفاقات التهجير، ولكن نظام الأسد يلتف على الأمر ويتحايل عليه بإطلاق سراح عدد قليل، وغالباً اعتقلهم حديثاً على الحواجز خلال حملته العسكرية التي ينفذها في المنطقة.
واليوم وتزامناً مع اتساع المساحة التي يستعيد نظام الأسد السيطرة عليها عموماً وفي الجنوب السوري خاصة، وربطاً بالتجاذبات السياسية الدولية بين حلفاء نظام الأسد وحلفاء المعارضة، ويبدو أن بشار الأسد يسعى إلى إغلاق ملف المعتقلين ولكن على طريقته، حيث يحاول إخفاء جريمة إبادة عشرات آلاف المعتقلين في سجونه السرّية والعلنية، دون حتى العمل على تسليم جثامين الشهداء.
ابتدع نظام الأسد مرض السكتة القلبية
مآتم عزاء كثيرة مفتوحة في مناطق سورية عدة، لضحايا التعذيب أبلغ نظام الأسد ذويهم بأنهم توفوا في سجونه ومعتقلاته بطريقة ربما رأى أنها الأكثر سهولة لتبرير وفاة الآلاف من ضحاياه، ألا وهي السكتة القلبية، أو مرض الربو.
نحو 500 من محافظة الحسكة، علِم ذويهم عن طريق دوائر السجل المدني في حكومة نظام الأسد أنهم ماتوا في معتقلاته ولكن بسكتة قلبية، كما أُخبر ذوو 150 معتقلاً من محافظة حمص، وذوو120 معتقلاً من محافظة حماة عن طريق دائرة النفوس، بأن أبناءهم ماتوا بالسبب ذاته.
كذلك سلم نظام الأسد ثبوتيات خمسة معتقلين في سجن صيدنايا إلى عائلاتهم في مدينة السلمية شرق حماة، الأمر الذي يعتبر إبلاغاً بقتلهم تحت التعذيب في سجونه، وطالب أهلهم باستلام جثامينهم، إلاّ أن نظام الأسد اكتفى بالرد بأن أبناءهم دفنوا، دون ذكر تفاصيل عن طريقة الوفاة أو تاريخها ومكان ودفنهم.
كيف يخفي نظام الأسد ضحاياه؟
نشرت” الهيئة السورية لفك الأسرى” والمعتقلين في آخر تقرير صادر عنها، في 17تموز من عام 2018، أن نظام الأسد يسعى إلى إخفاء جرائم الإبادة الجماعية بحق المعتقلين ” قانونياً “، بعد إخفائه عشرات الآلاف من المعتقلين السوريين “مادياً” (معظمها عن طريق الحرق في محارق خاصة داخل سجني صيدنايا وحرستا)، دون أن يسلم جثامين الضحايا إلى ذويها حسب القانون والأصول، وذلك بهدف إخفاء طبيعة الوفاة الحقيقية وآثار التعذيب، في حال أرادت جهات محلية أو دولية إرسال خبراء للتحقيق في الموضوع.
وقد تعرض المعتقلين في سجون نظام الأسد لجريمة إبادة جماعية منظّمة وممنهجة من أعلى هرم في النظام حتى أدنى عنصر مخابرات، بدءاً من القتل تحت التعذيب وخارج القانون، وانتهاءً بتوقيع ذوي المعتقلين أمام القاضي على ضبوط لا يعرفون تفاصيلها، وفي مضمونها براءة نظام الأسد بأدلة يقينية وقطعية وشهادات الشهود وبالصور الفوتوغرافية، كما أن جميع الدراسات الحقوقية المحلية والاستقصائية تشير إلى أن الأعداد الموثقة للمعتقلين الذين تمت تصفيتهم هي جزء من العدد الحقيقي الذي يمكن أن يصل إلى تصفية ( 200000) مئتي ألف معتقل، وهذا يعني أن العالم أمام محرقة بشرية لم يشهد التاريخ مثلها في عصر تدّعي فيه الأمم المتحدة حماية حقوق الإنسان من كافة أنواع الإرهاب ومنها ” إرهاب الدولة المنظّم والممنهج”.
ومنذ آذار عام 2011 وحتى حزيران 2018 اختفى قسرياً لدى الأجهزة الأمنية لنظام الأسد (812652) مواطناً سورياً، وبلغ عدد الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب في سجون نظام الأسد قرابة 13ألف شخص في الفترة ذاتها.
ويقبع عشرات آلاف المعتقلين في السجون والفروع الأمنية لنظام الأسد ومعتقلاته السرية، بتهمة الإرهاب بعضهم مضى سنوات على اعتقالهم. وهم مجهولو المصير، في حين يموت العشرات منهم تحت التعذيب وانعدام الرعاية الصحية.
معتقلون سوريون في قوائم الموت تعذيباً
وكانت حصيلة معتقلي داريا هذه المدينة الصغيرة أكثر من ألفي معتقل، ممن اكتشف مقتلهم في أفرع المخابرات السورية، وقد لا تكون تلك الحصيلة النهائية، فما إن انتهج نظام الأسد مؤخراً سياسة الكشف عن مصيرهم عبر دائرة النفوس حتى أصبحت المدن السورية في انتظار المزيد من القوائم، إذ يقبع في تلك السجون 3400معتقل موثق من داريا وحدها، وبمعدل لم يسبق له مثيل، صدرت المئات من شهادات الوفاة، فبدأ الأمر باكتشاف بعض الأهالي وفاة أبنائهم المعتقلين عند مراجعتهم السجل المدني، ثم أخذ نظام الأسد بشكل متسارع في الأيام الأخيرة في الاتصال بذوي المعتقلين وإبلاغهم أن أقرباءهم ماتوا إثر أزمة قلبية، أو نوبة ربو أصابتهم في المعتقلات، وأن عليهم الآن البصم على شهادات وفاة لأبنائهم المدرج بها تقارير طبية، دون أن يسمح لهم بمعرفة أماكن دفن المتوفين أو استلام رفاتهم.
فقد تلقت العديد من المدن والبلدات السورية، منها المعضمية، وحماة، وحمص، قوائم معتقلين سوريين في سجون نظام الأسد، ماتوا تحت التعذيب، ووسط صدمة الأهالي الذين لم يسمح لهم بمعرفة أماكن دفن جثث أبنائهم أو تسليمها لهم، ويستمر قمع نظام الأسد للأهالي حيث لم يسمح حتى بإقامة بيوت العزاء للضحايا وأغلقتها تحت طائلة التهديد.
ويلجأ نظام الأسد في ملف المعتقلين إلى حيل قانونية لتبرئة نفسه، عن طريق توقيع الأهالي وتبصيمهم على أوراق لدى القاضي العسكري الذي لا يجرؤون على سؤاله والاستفسار منه، يبلغهم فيها بقرار وفاة المعتقل ويسلمهم ثبوتياته وقرار الوفاة لتسجيله في النفوس.
فيما تتولى المستشفيات العسكرية التابعة لنظام الأسد بإصدار تقارير الوفاة، ويتضح منها أن المعتقلين ماتوا بين العامين 2013و2015، لا تعد هذه الوثائق أدلة دامغة للهروب من مسؤولية التعذيب والقتل تحت التعذيب، بل وسيلة لتهرب نظام الأسد من الجرائم والانتهاكات بحق المعتقلين.
أثارت خطوة نظام الأسد توثيق وفاة المعتقلين بسجونها في سجلات الأحوال المدنية الجدل في البلاد وخارجها، ففي حين صدمت عائلات الضحايا بإعلان الوفاة أخيراً وبعد سنوات من الأزمة الدامية، دونما تبرير سبب الوفاة أو تسليم الجثث، فقد أحصت منظمات حقوقية ما لا يقل عن 80 ألف حالة اعتقال وثقتها ولم يكشف عن مصير سوى المئات بينها.
وهذه الخطوة انتظرتها لسنوات عائلات الناشطين المعارضين الذين اعتقلوا بعد اندلاع الاحتجاجات في 2011.
واستقطبت دوائر الأحوال المدنية السورية الاهتمام مؤخراً إثر إعلان منظمات حقوقية وعائلات سورية قيام السلطات بتحديث سجلات النفوس المدنية وإضافة كلمة “متوف” إلى جانب أسماء المئات من المعتقلين لديها.
سجون نظام الأسد تشهد فصولاً مستمرة من التعذيب والقتل الجماعي الممنهج.
الهدف من إصدار نظام الأسد شهادات وفاة للمعتقلين؟
11من شهر آب 2018 أثارت خطوة نظام الأسد بتوثيق سجلات المعتقلين في سجونه لدى الأحوال المدنية تدوينهم على أنهم متوفون بشكل طبيعي تساؤلات حول الهدف وتوقيت مثل هذه الخطوة خاصة أنها لا تقدم تفصيلات حول أسباب وفيات المسجلة رسمياً لدى دوائر النفوس في سوريا وتعرفت آلاف العائلات على مصير أبنائها لكن دون تفاصيل.
وفوجئت عائلات لدى محاولتها الحصول على وثائق شخصية لأفرادها المعتقلين لتظهر النتيجة أنه متوفى وستستخرج له شهادة وفاة طبيعية وهو بمثابة إقرار بوفاته بشكل طبيعي في السجن دون أن يكون لعائلته الحق في تقديم أي شكوى.
وبات مصير آلاف الجثث بعد خطوة نظام الأسد مجهول حيث لا تقدم دوائر النفوس أي معلومات بشأن مكان الدفن أو إمكانية استرداد ذويهم للجثامين.
وللنظام أهداف كبيرة من وراء هذا الإعلان فعلاوة على التخلص من أدلة قتله لآلاف المعتقلين هو يرسل رسالة تهديد لكل من يفكر بالثورة عليه لاحقاً.

وفاء المحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى