غير مصنف

من الواقع..!

تقبع متربعة على الرصيف مفترشة وطنها المكون من بضع كراتين، تجلس مستندة إلى جدار يكاد يتهاوى، تتشح بالسواد في كل شيء العباءة والحذاء وشال الرأس حتى وجهها الذي ملته الشمس وتقاطع الطريق والمارة وعامل الوطن الذي يكنس الرصيف كل يوم، ما عدا هذا المتر من الوطن الذي احتلته رغما” عن الجميع ورغما عن جشع من حولها.

تشققات كفيها تعاكسها تشققات وجهها، أمامها فرش الفجل والبصل الأخضر وبعض “الخبيزة”، بالقرب منها علبة عصير بلاستيكية مليئة بالماء تشرب منها وترش بها على خضارها لتجعلها تلمع وتضيء أمام المارة علها تغري أحدهم فيشتري.

تغفو لثوان فتيقظها الحياة فتعود لتغفو لثوان فتصحو على صوت الفقر تحدق عيناها في الوجود وتعود لتغفو فتستيقظ على كابوس الجوع فتصرخ بلهجة ريفية (فجل … بصل أخضر … خبيزة )  وتكررها حتى يجف ريقها.

يقلب الزبائن (فرشها) يبعثرونه ويفاوضونها على السعر، تحت الفرش قطعة من خبز، تقضم منها على استحياء وتعود لتخفيها وتغني وتلحن على وقع أقدام المارة وتأخذ نفسا عميقا يتخلله الكثير من عوادم السيارات وتنادي (فجل، بصل أخضر، خبيزة).

في المساء لملمت ما بقي من خضارها ووضعته في أكياس، رفعت فرشها المكون من بضع كراتين، ألقى بها أحد المحلات المجاورة، وأخفته في أحد الأزقة، غادرت المكان الذي ما زال يعبق بها، حجارة الرصيف طبعت على عباءتها وهي مدبرة تحمل كيسا يتمايل على رأسها وكيسا” تتأبطه وكيسا في يدها يشدها إلى الأسفل.

لن تغيب طويلا ستذهب لتطعم فراخها وفجرا تطير إلى السوق تجمع ما تساقط من حبات الخضار من الصناديق وستشتري بضاعتها وتعود إلى قواعدها هنا على الرصيف حيث كتب لخبزها أن يكون قصة من الواقع.

حسن محمد العبود (إدلب)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى