غير مصنف

إدلب وخلافات الضامنين

انتهت قمة سوتشي، خرج زعماء كلا من تركيا وروسيا وإيران، وعاد إلى بلده، ليدلي بتصريحات حول ما حدث في القمة، جميعهم تطرقوا إلى ملف محافظة إدلب، لكن لم يتوافقوا على رؤية موحدة للحل فيها، انتهى الاجتماع لتعود ساعات القصف بعد هدوء لم يدم طويلا وفرحة لم تكتمل بعد.

انتهت القمة وطبق المثل الشعبي الذي كان يقال عن اجتماعات الجامعة العربية، طبق هنا المثل الشعبي القائل بأنهم “اتفقوا على أن لا يتفقوا”، وبقيت القضية الشائكة معلقة، فلا حل قريب يلوح في الأفق.

للحقيقة ومن منظور شخصي لما حصل في القمة، يبدو بأن كل طرف يريد أن يبرز وجهة نظره الخاصة للحل في إدلب، بل بأن تكون تلك النظرة هي السائدة والوحيدة، وهو ما يجعل من طي صفحتها في القريب العاجل أمرا غير وارد، فلو عدنا إلى الوراء قليلا نجد أن إدلب تصدرت كل المباحثات التي جمعت أقطاب مباحثات أستانا دون حسم وجهة نظر طرف على طرف أخر، فالوضع الخاص في المحافظة لا يشبه بأي حال من الأحوال بقية مناطق خفض التصعيد السابقة أو كما يجب أن يقال ترتيب التصعيد وضبطه من قبل الأطراف المعنية، ليس ببعيد ما حصل في باقي المناطق التي شمل نظام خفض التصعيد (غوطتا دمشق الشرقية والغربية، ريف حمص الشمالي، الجنوب السوري) كل هذه المناطق تم ترتيب التصعيد فيها ليسار إلى السيطرة عليها واحدة تلو الأخرى، ولم تبقى إلا إدلب المنطقة المتبقية والمشمولة بهذا النظام الذي لم تلتزم به لا قوات الأسد ولا حتى ضامنيها روسيا وإيران، فجميع المناطق الأخرى تم ترتيب التصعيد فيها من قبل ضامني الأسد لتعود تلك المناطق لسلطته، كان الضامن التركي في جميع تلك المناطق خارج نطاق الحدث فهو الأبعد جغرافيا عن المنطقة وهو ما جعله ضامنا على الورق لا على أرض الواقع، وأما في إدلب فالوضع مختلف كليا، فهي مشمولة باتفاقيتين الأولى في أستانا والأطراف الثلاثة موجودون والثانية في سوتشي بعد توقيع الضامنين التركي والروسي لاتفاقية خاصة في المنطقة لا يكون للدور الإيراني أي حضور، وبالرغم من كلا الاتفاقيتين إلا أن الوضع في المنطقة على حاله بل يسوء يوما بعد أخر في ظل الخروقات اليومية التي تكاد لا تتوقف ورغبة طرف ثالث بتقويض الاتفاق الثنائي، وهو ما يعني عدم رضا الإيرانيين عن الاتفاق في سوتشي وجعله في إطار ثلاثي أي “أستانا”، وقد يكون للطرف الروسي نفسه رغبة في تقويض الاتفاق، فمنذ توقيعه لم تلزم روسيا قوات الأسد بها، ما يجعل من الروس نفسهم طرف في تقويض الاتفاق، فالتصريحات الروسية قبيل أي اجتماع مع الجانب التركي تكون تصعيدية وبلهجة مرتفعة، وفي بعض الأحيان اتهام الأتراك بعدم تنفيذ ما تم التوصل إليه والتساهل مع من تسميهم ب”الإرهابيين” وسيطرتهم على المنطقة.

وبالرغم من ذلك كله إلا أن الموقف التركي من إدلب لم يتغير ويربطه دائما بمصير أكثر من ثلاثة مليون سوري، وما سيترتب عليه أي عمل عسكري على المحافظة من موجة لجوء ستكون تركيا هي المعنية الوحيدة، بل أن خسارة ورقة إدلب ستكون كفيلة بإخراجها كليا من المشهد السوري.

تركيا وبموجب اتفاقية أستانا نشرت نقاط مراقبة للإشراف على تطبيق نظام خفض التصعيد، وبذلك تكون تلك النقاط كفلية بمنع أي هجوم محتمل، وما يهم تركيا أكثر هو ملايين المدنيين، فهي تستقبل على أراضيها أكثر من أربعة ملايين سوري وأي تغير عسكري في المنطقة يعني أن المدنيين سيضطرون للنزوح إلى الحدود التركية وهو ما سيرفع عدد اللاجئين في الشريط الحدودي الممتلئ تماما، وبهذا تقوي تركيا من موقفها وتربطه بالأمن القومي، وما يعزز الموقف التركي أكثر هو رغبة المليشيات الكردية بمشاركة الأسد في أي هجوم على المحافظة بعد طي ملف “داعش” في المنطقة الشرقية، لتكون بذلك تلك الميلشيات أضحت قريبة من منطقة “غصن الزيتون” المقصود بها عفرين، وبذلك لن يكون الحصول على ضوء أخضر تركي لروسيا ونظام الأسد وإيران بمهاجمة المحافظة أمرا سهلا، فتركيا اليوم مشغولة بملفات شرقي الفرات والانسحاب الأمريكي والمنطقة الآمنة وتريد المحافظة على الوضع الحالي في المنطقة.

روسيا المتعطشة للسيطرة على إدلب لها مطامع ومأرب كثيرة، فإدلب أخر منطقة تسيطر عليها قوات المعارضة، وطي صفحتها يعني انتصارا تاريخيا لها في المنطقة، فهي بذلك تكون قد قضت على أخر مناطق المعارضة وربطت الحل في سوريا وفق رؤيتها الخاصة.

ولو ربطنا ملفات إدلب وشرقي الفرات لا نجد أي روابط مشتركة بين تركيا وروسيا هناك ليتم التنازل عن منطقة مقابل أخرى، فالمتحكم في المنطقة الشرقية هي واشنطن ليس موسكو أي أنه لا يمكن ربط أي عملية عسكرية تركية في المناطق الشرقية بأخرى روسية على إدلب، ولكن روسيا تريد استمالة القوات الكردية لصالحها في ظل رغبة أمريكية بالانسحاب من سوريا، ومع ذلك إلا أنه لا يوجد وضوح أمريكي في كيفية الانسحاب وتوقيته ومن سيتحكم بالمنطقة بعد الانسحاب، كل هذه الأسئلة تبقى بل جواب واضح وصريح حالها كحال الملف في إدلب في ظل رغبة كل طرف بتعويم وجهة نظره الخاصة.

إلا أن تتفق الدول فيما بينها عن حل في إدلب يرضيها جميعا سيبقى الموت يلاحق السوريين في المناطق المحررة، فإلى ذلك الوقت هل سنبقى ننتظر ما ستؤول إليها الأوضاع في مناطقنا أما أننا سنكون الشوكة في أي اتفاق لا يرعى مصالحنا، سؤال لعل الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عليه.

حمزة العبد الله (كفرنبل-إدلب)

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى