غير مصنف

وعدتني بالحضور…ولكن

منذُ أربع سنواتٍ وأنا أنتظرُ ذلك اليوم، أربعُ سنواتٍ تعادلُ عمراً كاملاً.

بعد 1432 يوماً كان صديقي الوحيد هو التعبُ والصبر، لكنَّي كنتُ مصرَّة على الوصول لهدفي، وكانت ثمرةُ هذا الصبر الطويل هو تخرجي من الجامعة.

الحلمُ الأكبرُ لكلَّ طالبٍ وطالبة.

ولكي تكتملُ فرحتي قمت بحفلةٍ صغيرةٍ دعوتُ فيها الأحبَّة، وكانت هي في مقدمة المدعوَّين إلى الحفل الذي لطالما حلمتُ به، وبالفعل وعدتني بالحضور ولكن..!

نعم أنَّها وعدتني بالحضور..

وسعادتي كانت لا تضاهيها سعادةٌ لأنها ستشاركني هذه الفرحة العارمة، أو دعوني أقول لكم إنها فرحة حياتي الكُبرى.

بدأ المدعوون بالحضور، وعيناي ترقُبان باب المنزل الخارجي، كلَّما دخل أحدٌ أظنَّه هي، الأسئلةُ في نفسي، هل ستأتي؟، لماذا لم تحضر إلى الآن؟، أسئلةٌ جعلتني أُغرَّدُ خارج سرب الفرحة.

للأسف يا أصدقائي حضرَ الجميعُ إلَّاها، حينها شعرتُ بالضياع، وتغيَّرت ملامح وجهي، وانتابني شعورُ الخوفِ والقلقِ عليها.

أنا أعلمُ أنها ستفعلُ المستحيلُ لتكون معي، لكنَّها غابت وغابت فرحتي معها.

كنتُ مضطرةً للابتسام أمام الحضور، بينما كانت نيران القلق تشتعل بداخلي، مرَّت ساعاتُ ذلك اليوم ببطءٍ شديد.

شعرتُ حينها أن كل ساعةٍ من هذا الحفل بمثابة تلك السنين التي عانيت خلالها، التي كنتُ أعدُّ فيها الثواني واستعجلها لتمضي من أجل هذا اليوم الَّذي مرَّ وكأنَّه كابوسٌ يجثمُ على صدري.

وبعد أن انتهى حفلُ التخرج ذهب الجميع، حاولتُ أن أنام لكن الأفكارُ لم تدعني وشأني، تارةً تأخذني يميناً وتارةً أخرى ترميني شمالاً، حتى بزغت الشمس بنورها الذي ملأ المكان، كنت بانتظار الصباح بفارغ الصبر لأعرف ما الذي حصل معها.

 

ذهبت إليها بخطىً ثقيلةٍ كما يقولون خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف والأفكار والظنون تراودني حتى وصلت باب منزلها، كان الصمتُ يخيّم على المكان، طرقت الباب…

وبعد برهة من الزمن فتحت لي الباب والدموع في عينيها، حاولت إخفاء دموعها عني.

قالت: تفضلي..

أصابتني غصة قوية ولم أعد أعرف ما أقول لها صمتُ قليلاً، ثم سألتها ما بك، أجابت لا شيء.

وفجأة انهمرت الدموع من عينيها الصافيتين وكأنها شلالات مياه براقة، قلت كيف؟، ولماذا هذه الدموع ؟..

فانفجرت بالبكاء مرةً أخرى ووضعت رأسها على كتفي وقالت:” ولدي خالد يا ابنتي”، وصمتت وغصت بالكلام.

.قلت وأنا مندهشة ما به فمنذ يومين كنتم عندنا في

قلتُ لها وكلَّي دهشةٌ ما به؟، منذُ يومين كنتم في زيارةٍ لي.

قالت: وهو في طريقه إلى الجامعة أخذه العساكر الذين على الحاجز.

لم تصدق أذناي ما سمعت، قاتلهم الله أولئك الجنود الظالمين، خالد ذلك الشاب المهذب الخلوق ماذا فعل كي يعتقلوه، وضممتها إليّ، وأخذنا نبكي سوياً بصوت مرتفع جداً، فعدا عن أن خالد ابن خالتي مثال الشاب الطيب، ولا يستحق أن يسجن، لكن ما أحزنني هو حزن أمه عليه. وبعد أن واسيتها وقلت لها أنَّ ابنها لا بدَّ وأن يعود يوماً ما ولن يدوم هذا الكابوس الذي نعيش فيه طويلاً، ولكن علينا أن نتحلى بالصبر والشجاعة، عدت أدراجي وأنا أجر جسدي كالمصاب بالشلل.

أم خالد ليست الأم الوحيدة التي خطف ولدها منها وهو في مقتبل العمر بل هناك الكثير من الأمهات السوريات اللواتي فقدن أولادهن، في ظل هذا النظام الظالم الغادر إما اعتقالاً، وقتلاً أو تشريداً.

وفاء المحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى