مدونة المرأة

بيان السويد تصنع من ملابس البالة ثياباً جديدة

 بيان السويد (35 عاماً) امرأة متزوجة من مدينة كفرنبل وأم لأربعة أطفال، معروفة بـ أم علي، وأولادها هم علي (14 عاماً) وعلا (10 أعوام) وحلا (7 أعوام) ومحمد (3 أعوام) كانت قد نزحت منذ سنة إلى مناطق الشمال السوري بسبب حملة التهجير التي تسبب بها القصف الروسي والسوري على مناطق جنوب ادلب.

تقول بيان: “منذ أن كنت صغيرة وأنا أحب مهنة الخياطة، ولدي فضول لأتعلم كيف أقص الأقمشة وكيف أخيطها، كبرت وكبرت معي هذه المحبة، كما أنني أحب الرسم كثيراً وأتمنى لو أنني تعلمت التصميم والخياطة، لكن العادات والتضييق على دراسة الفتاة سابقاً جعل حلمي يزول، حتى تزوجت”.

وتابعت: “أنا لم أتوقف عن التفكير في تعلم مهنة الخياطة، لكن زوجي كان يرفض، فهو موظف ويتقاضى راتباً من مؤسسة الزراعة، ويقول إنه يتوجب عليه العمل ويكتفي بعملي في منزلي والانتباه للأولاد، لم أعارضه وكنا سعداء في ذلك الوقت حتى بدأت الحرب وانقطع راتب زوجي بسبب خوفه من السفر لمدينة حماه حيث قوات الأسد والتي تعتقل من يُشك بأمر انتمائه للثورة،، كنا كل صباح نجلس أنا وزوجي وأحاول إقناعه في رغبتي بتعلم الخياطة فوضعنا المادي بدأ يتراجع بشكل كبير، بقيت على إصراري حتى سمح لي بالذهاب إلى جارتي نجوى التي تحترف المهنة وتعلمها”.

لم تبخل جارة نجوى التي تكبرها بسنتين فقط بتعليمها المهنة حيث تقول بيان: “كانت بمثابة أخت لي نجلس ونقص ونخيط سوية، آخذ برأيها وأستشيرها عند استعصاء أمر بشأن خياطة ثوب أو تزيينه حتى أتقنت عملي وبدأت أخيط لأقاربي وجاراتي كنت سعيدة جداً أنني بدأت بتحقيق ما أتمنى، بالإضافة لمساندة زوجي في مصروف المنزل”.

أطرقت أم علي برأسها بالأرض وبدت حزينة “فرحتي لم تكتمل فالهجمة المتوحشة لاقتحام مدينة ادلب جعلتنا ننزح إلى قرية صغيرة بجانب مدينة عزمارين وتدعى حج يوسف، صمتت أم علي قليلاً ونظرت إليّ بحزن وقالت: “استأجرنا هذه الغرفة التي ترينها بعشرة آلاف وبالكاد تتسع والآن هي مسكن ومكان عمل لي بعد أن كان لدي منزل وأثاث اضطررنا لترك كل شيء والنزوح”.

في هذه الغرفة قررت أم علي العمل وبسبب سوء المستوى المعيشي لأهل القرية وجدت عملاً يجعلها يحقق حلمها ” تدوير الملابس المستعملة”، تشتري ملابس البالة وتعيد تدويرها وتروي كيف بدأت العمل “بدأت أخيط لأطفالي وبعدها سمعن نساء الحي بأن لدي آلة خياطة وأنني أخيط الملابس ويوماً بعد يوم كان يطرق باب المنزل وتأتي النساء تحملن أكياساً من الثياب المستعملة وتريد تصغيرها لأطفالها وتدويرها والاستفادة”.

قاطع حديث أم علي طرق للباب فتحت أم علي الباب ودخلت امرأة كبيرة في السن تمسك بيدها طفلة صغيرة معها كيس بداخلة ستارة شباك وجلست وقالت لأم علي: “هذه الستارة اشتريتها من سوق الأحد وأريد أن أخيط منها ثوباً لحفيدتي وأريد منك أن تضعي خبرتك في خياطته لأنها عزيزة على قلبي ولولا هذه الأحداث لكنت اشتريت لها ثوباً من أفخم المحلات”. أخذت أم علي مقاساتها وطريقة موديله وانصرفت الزبونة.

وضعت أم علي الستارة وقالت سأسرع بخياطة هذه القطعة لأنني رأيت لهفة في عيون الطفلة لارتداء ثوبها الجديد وبدأت تشرح القليل عن عملها: “أمد القطعة على الأرض وأنظر لها بإمعان والمقاس الذي أخذته للطفل وأقص وأتفنن في خياطته وتزيينه حتى تعود القطعة القديمة إلى قطعة جديدة”

سألت أم علي عن الثمن الذي تجنيه مقابل القطعة أجابت مبتسمة: “أجري قليل فأغلى ثمن قطعة أخيطها لا يتجاوز 1500ليرة سورية (نصف دولار أمريكي) وأقل قطعة ٥٠ ليرة سورية، والكثير من النساء تقصدني لأخيط لها فالمستوى المعيشي لمعظم الناس بات سيئاً ولا يستطيعون شراء ملابس جديدة لغلاء ثمنها، الأجر قليل لكن الحمد لله أعيش بكرامة وأساند زوجي وخاصة أن فرص العمل قليلة وأولادي بحاجة متطلبات كثيرة ونحن نعيش فترة نزوح لا نعرف نهايتها”.

أدمعت عيني أم علي قائلة: “بصوت مرتجف بعد نزوحي بشهرين وأنا أتواصل مع جارتي نجوى والتي لها فضل كبير عليّ بتعلم المهنة، وصلني خبر استشهادها وإصابة أولادها بقصف صاروخي مصدره طائرة حربية استهدفت منزلها، كان الخبر كالصاعقة ولم أصدق كونها اتصلت بي قبل استشهادها بيومين تلك الحادثة، استشهادها زاد من مثابرتي على تكملة رسالتها في مساعدة الفقراء”.

طُرق الباب من جديد تنادي طفلة تدعى سلسبيل عمرها خمسة أعوام وذات شعر أشقر مجدول على كتفيها: “ياخياطة ماما بتقلك بدها تجي لعندك خلصتي التياب الي جابتلك ياهن”، لتجيب أم علي “نعم خلصتن قولي لماما أهلا وسهلا”.

خيّم السكون على الغرفة بعد كلامها هذا، ولم يكن سوى صوت المقص بيد أم علي التي تقص أحد القطع ليقطع ذلك السكون والدة أبو علي الجالسة تستمع لحديثنا قائلة: “أم علي تحب الخياطة وإنها تقوم بخياطة ثياب جميلة جداً فقد أخاطت لي ثيابي الشتوية وهذا الذي أرتديه أيضاً هي امرأة متميزة يكفي أنها تساند ولدي وتقف بجانبه لتعيل هذه الأسرة”.

ختمت أم علي حديثها،” الحياة قاسية وتحتاج لمساعدة الزوجة لزوجها قدر استطاعتها، ونأمل من الله أن يكون الفرج قريب، حتى نستطيع العودة لمنزلنا وتنتهي تلك الحرب التي جعلتنا لا نعرف الراحة”.

اعداد: كادر “فرش أونلاين”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى