مدونة المرأة

بعد وفاة زوجها.. رنا تصنع دبس الرمان لتتغلب على مصاعب الحياة

 تجلس رنا (اسم مستعار) وهي امرأة في الأربعين من عمرها في غرفة مليئة بالرمان المفروم والطناجر الكبيرة التي تحتوي على مواد تتعلق بمهنتها الجديدة (صناعة الدبس).

 توفي زوجها في عام 2015بعد أن أصيب إصابة بليغة برأسه بقصف لقوات الأسد طال منزلهم في مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي الخاضع لسيطرة الفصائل الثورية، لم ترزق سوى بفتاة واحدة، وكانت تعمل سابقاً في شك الخرز للملبوسات الجاهزة أما في الوقت الحاضر تصنع دبس الرمان  والمربيات وتبيعها في الأسواق.

ويبلغ عدد سكان مدينة دارة عزة حوالي 50ألف نسمة ونزح إليها الكثير من الناس منذ بدء الحملة الشرسة لقوات النظام وحليفته روسيا على ريف ادلب الجنوبي في شهر أيار عام 2019.

وتعمل رنا في منزلها الصغير المؤلف من غرفة واحدة ورثتها من أبيها بعد وفاة زوجها وقد خصصت زاوية من زوايا الغرفة للعمل، تذهب إلى دكان أبي إبراهيم لكي تؤمن بعض احتياجات مهنتها والذي يعتبر أيضاً مسوقاً لمنتوجها.

تقول رنا شارحة أسباب عملها بهذه المهنة: “بعد وفاة زوجي أصبحت حياتي صعبة فقد باتت المسؤولية واقعة على عاتقي وخاصة الاحتياجات المالية وبمساعدة أختي تمكنت من العمل بشك الخرز بعد أن دلتني على أحد التجار الذين يعملون بذلك، بالإضافة لذلك قررت أن أعمل بصنع دبس الرمان في فصل الشتاء”.

“ازداد الوضع سوءاً بعد رفض أهل زوجي قبولي في منزلهم فكان لا بدّ من إيجاد أي عمل أعمل به من أجل تربية ابنتي والإنفاق عليها، وخصوصاً بعد إيقاف المعونات التي أتتني من أهل الخير لمدة ثلاثة أشهر ومن ثم انقطعت”.

حاولت إخفاء دموعها التي بدت واضحة في عينيها وكأنها تريد إخباري بأنها صامدة على الرغم ما مر عليها من حزن وألم على فراق زوجها قائلة : “كان علي أن أفكر بالعمل فقد أصبحت وحيدة وقررت ألا أستسلم لما حل بي من حزن وقهر، فقد بت الأب والأم لابنتي الوحيدة، وأحاول أن لا أجعلها تشعر بأنها فتاة يتيمة”.

أثناء حديثي معها طرق باب الغرفة بشكل خفيف ودخلت صبية بوجه مبتسم ألقت التحية وقالت: “لقد اتصلت بنا جارتنا أم ماجد وتريد أن تصنعي لها من دبس الرمان ما يقارب الخمسة كيلوات فهي تريد أن ترسلهم لأمها”.

وحدثتني رنا عن كيفية صنع دبس الرمان قائلة: “في فصل الشتاء حيث موسم الرمان أقوم بشراء كمية كبيرة من الرمان من قرية حزرة التي تبعد عن مدينة دارة عزة حوالي 10كيلو متر، واستخرج حبوبها عن طريق دق الرمان بمطرقة صغيرة ومن ثم أقوم بعصره ووضعه في وعاء كبير على النار حتى إتمام الغليان، ومن ثم أقوم بتعبئته في أوعية بلاستيكة وأحكم إغلاقها بحيث تصبح جاهزة للبيع.

تعمل رنا على صنع المربيات والدبس بكميات ممتازة وتبيعه للتجار بسعر يتراوح بين3500إلى 4000 وبرهنت سبب غلائه بارتفاع أسعار الغاز حيث ارتفعت سعر الاسطوانة إلى تسعة آلاف ليرة (10$) وأيضاً إلى انخفاض قيمة الليرة السورية في الآونة الأخيرة الأمر الذي سبب غلاءً في جميع أسعار المواد الاستهلاكية.

انتصار(35 عاماً) جاءت لشراء الدبس كانت قد أوصتها عليه سابقاً وتقول: “أرغب بشراء دبس الرمان من هنا وأفضله عن الدبس الموجود في السوق، فرنا تتقن عملها وتجيد صنع دبس الرمان بشكل جيد ومتقن، بالإضافة لذلك فهي تبيع بأسعار مناسبة ومنخفضة مقارنة بأسعار السوق، فهي تأخذ 3500ليرة سورية، أما في السوق فهم يأخذون أكثر ولكن قوامه غير متجانس ومذاقه ليس لذيذا ويحتوي على صبغات ومنكهات لا نعرفها”.

وتشكو رنا من ضعف التسويق هذا الموسم وتقول: “سابقاً كنت أصدره إلى مناطق النظام وبسبب غلاء أجرة النقل والظروف الراهنة التي تشهدها البلاد لم أعد أستطيع تصديره لذلك قلّ الطلب عليه، ولكن حاولت أن أبيعه في سوق المدينة في سعر مرتفع عما قبل لعدد من جاراتي ومعارفي ودكاكين البلدة”.

وتدخل الغرفة حسناء (28عاماً) وهي إحدى جارات رنا وتقطع حديثنا قائلة: “يا جارتي بدي كيلو دبس رمان ، وتجيبها مشيرة إلى إحدى القنينات الموجودة على رف الغرفة قائلة “والله ارتفع سعره شوي” وتعطيها إياها قائلة: “رح اعطيكي إياها بسعر قبل لأنو ما بقي عندي غيرها حالياً”.

العمل في عصر دبس الرمان وطبخه ليس بالأمر السهل بحسب رفاه (16عاماً) وهي ابنة رنا قائلة: “أحاول أن أساعد أمي في عصره فنحن نقوم بعصره بمكنة يدوية لكني أجد صعوبة كبيرة في ذلك بسبب صلابة حبوبه، ولكن عزيمة أمي وإصرارها على العمل لم يضعف أبداً بل ازدادت عزيمتها أكثر من قبل فهي تعمل من أجل معيشتنا بعد وفاة والدي واستطاعت التغلب على المصاعب التي مرت عليها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى