مدونة المرأة

أم محمود تفتتح صالونًا لتصفيف الشعر لتتغلب على مصاعب الحياة

بعد معاناة لأكثر من خمس سنوات مع مرض السرطان، توفي زوج أم محمود تاركاً لها عبء تربية ثلاثة أطفال.

أسماء (اسم مستعار) وتدعى أم محمود عمرها 35 عاماً، مسقط رأسها مدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي والتي تواجه في الوقت الحالي مصاعب كثيرة بعد اقتراب المعارك الدائرة في سورية منها بين الفصائل الثورية التي تسيطر عليها وقوات الأسد التي اقتربت منها، عدد سكانها أكثر من 50 ألف نسمة مع المهجرين، الأمر الذي زاد من معاناة أم محمود وتقول:

“وفاة زوجي وحرمان إخوتي لي من الميراث لم يضعفني بل زادني إصراراً على مواجهة الحياة والعمل من أجل أولادي”.

تسكن أم محمود في منزل مؤلف من غرفتين وكانت قد قررت العمل لتعيل أطفالها وتقول: “بعد وفاة زوجي قررت أن أعمل في تصفيف شعر السيدات، لدي خبرة سابقة في ذلك، ولكن كل ما احتجته حينها هو تأمين مبلغ من المال لكي أشتري به المعدات اللازمة، ولكن حينها لم أكن أملك ثمنها كاملة، هذا جعلني بحالة سيئة فأطفالي الآن بحاجة للكثير من المتطلبات ”.

قلة المال لدى أم محمود منعها من شراء معدات صالون تصفيف الشعر مما اضطرها للعمل في الحقول، حيث عملت في قطاف الزيتون وغيره بأجر قدره 1500ليرة سورية في اليوم الواحد حتى استطاعت تأمين المال اللازم وتقول:

” قمت بترتيب غرفة من غرف المنزل، ووضعت فيها جميع ما يلزم من عدة لأعمل بها، وقد اشتريت أداوت بسيطة وبسبب المبلغ المحدود الذي استطعت تأمينه لم أشتري سوى الأدوات الأكثر لزوماً مضطرة لإنقاص قسماً منها”.

بدأت أم محمود بالعمل بعد مرور ثلاثة أيام على فتح الصالون تقريباً، بداية كان عدد الزبونات قليلاً، ولكن بعد فترة أصبحت معروفة مما ساعدها على كسب زبونات أكثر.

وتقول أم محمود عن تجربتها بالعمل: “بعد أن مضى على عملي ثلاثة أشهر تقريباً أصيبت ابنتي بداء السكر الشبابي، وحينها لم يعد باستطاعتي أن أعمل في تلك المهنة بشكل متواصل، فهي بحاجة للعناية، لم استطع إغلاق الصالون لفترة طويلة، فقد توجب علي شراء الدواء اللازم لها، فقررت أن أعمل وأعتني بها بآن واحد

حتى تشفى، خصصت وقتاً للعمل وآخر لرعاية الأطفال وعلى أمل من شفاء ابنتي، فقد كنت أعمل فترة الظهر إلى المغرب، في تلك الأثناء كانت أختي تقوم برعاية ابنتي ريثما أنتهي من عملي”.

وجدت أم محمود أنها تحمل أختها عبئاً فطلبت منها أن ترتاح ولكنها رفضت وأصرت على البقاء لتساعدها في رعاية ابنتها وأعمال المنزل.

رنا (30 عاماً) وهي أخت أم محمود تقول: “أحاول أن أخصص جزءاً من وقتي لمساعدة أختي في تربية أولادها، وذلك في أوقات فراغي التي يسمح لي زوجي بها”.

تجد أم محمود صعوبة كبيرة في التوفيق بين أعمال المنزل وصالون تصفيف الشعر، ولكن حاجتها الماسة للمال ومواجهة مرض ابنتها زادها إصراراً على مساندة عائلتها ورعايتها وتقول: “أصحو باكراً أقوم بترتيب المنزل وتقديم كل ما تحتاجه ابنتي، ريثما تأتي أختي، وأقوم أنا بفتح الصالون وتنظيفه واستقبال الزبونات، أبقى من بعد الظهر في حال لم تأت أي زبونة أتفرغ لرعاية ابنتي وتدريس ولدي، وهكذا أمضي معظم وقتي”.

طرق باب الغرفة محمود (9أعوام) ،وهو ابن أسماء، كان يحمل بيديه شهادة تفوق كتب عليها اسمه والفرحة ظاهرة على وجهه وبسمته ترتسم على وجهه وقد عبر عن فرحته تلك عندما قبل يدي أمه وقال لها: “يا ماما اليوم تفوقت بدراستي والآنسة شكرتني كتير، والفضل كلو الك الله يخليلنا إياكي وما يحرمنا منك”.

مرة أخرى طرق الباب وكان من يطرقه إحدى نساء الحارة وتلقب بأم حسام (28عاماً) قاصدة تصفيف شعرها بتسريحة بسيطة، واستقبلتها أم محمود لعمل لها ما طلبته، وعند انتهائها شكرت الزبونة أم محمود وكانت وقد نال عمل أم محمود إعجابها قائلة: “عمل أم محمود عمل متقن ويليق بجميع الأذواق، وقد نال إعجابي وأم محمود امرأة طيبة تعمل بجد ونشاط تأخذ أجرها بأسعار مناسبة، وهي تحب مهنتها”.

بجانب حائط الغرفة التي جعلتها أم محمود صالوناً لعملها وضعت طاولة كانت قد وضعت عليها مستلزمات تجميل ومكياجات وغيرها وكل ما يلزم النساء وقد علقت لائحة كتب عليها كل الأسعار، فأم محمود كانت قاصدة البيع ضمن عملها بحكم أن عملها للنساء.

طرقت الباب امرأة أخرى ودخلت طالبة منها أمشاطاً وإكسسوارات وغيرها وقالت: “السلام عليكم يا أم محمود بدي 3 أمشاط وأساور وصتني عليهن أختي التي تسكن بحارة أخرى، فأجابت أم محمود: “ تكرم عيونك، تفضلي”.

صوت هاتف أم محمود كان قد رن فتلقت اتصالاً، وقد كان من يتصل بها صديقتها أم جابر (علمنا من حديثها) ومن خلال حديثها معها علمت أن أم جابر قد ساعدت أم محمود في تأمين مبلغ صغير من المال من أجل شراء مستلزمات التجميل التي تبيعها وقالت لي: “أم جابر امرأة طيبة وتحب فعل الخير ولا تلزمني بالدفع الفوري، وهي صديقتي منذ زمن طويل، وأحمد الله على ما هيأه لي”.

واختتمت أم محمود حديثها قائلة: “ كل ما مر علي من مصاعب الحياة وقسوتها ووفاة زوجي الذي أثر على حياتي بشكل كبير لم تضعفني أبداً وسلمت أمري لله، فالحياة تحتاج للمواجهة، فقد تتعرض المرأة لكثير من الأعباء، ولكن بقوتها وإصرارها تستطيع التغلب على كل المصاعب، فأولادي بحاجة ماسة إلي بعد وفاة أبيهم، فقد باتوا أيتاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى