مدونة المرأة

أم علي… من عمل موسمي إلى آخر لتأمين حاجيات عائلتها

كانت الشمس قد شارفت على الشروق، وقبل أن ينتشر نورها في الآفاق، تحزم أم علي ما تحتاج إليه في رحلتها للبحث عن لقمة العيش من أجل عائلتها، يرافقها ولدها أحمد.

في يوم صيفي، استيقظت أم علي (40) عاماً، في الصباح الباكر عند صلاة الفجر، وأيقظت ولدها أحمد، قاصدين الذهاب إلى بلدة كنصفرة وأطراف بلدة البارة بريف إدلب الجنوبي، لجمع نبات الشفلح هناك، وتقول: “صحيح أن الجو حارٌّ والذهاب للعمل في مثل هذا الجو متعب، ولكن تعب العمل أهون عليّ من الحاجة للناس، وسأظل أعمل ما دمت أستطيع الوقوف على رجليّ، لأكسب قوت يومي من عرق جبيني وأحفظ ماء وجهي عن سؤال الناس”.

عبير العبد الله، تكنى أم علي (40 عاماً)، نازحة من بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي،  نزحت منذ منتصف شهر أيار لعام ٢٠١٩، إلى بلدة كبته بريف إدلب الشمالي، بسبب الحملة العسكرية التي قامت بها قوات الأسد وحليفتها روسيا على ريف إدلب الجنوبي، الأمر الذي أدى إلى استشهاد مئات المدنيين، وتهجير أكثر من نصف مليون من ريف إدلب الجنوبي إلى الريف الشمالي بحثاً عن حياة أكثر أمناً واستقراراً بعيداً عن القصف والخوف.عبير أم لستة أولاد، ثلاث بنات وثلاثة صبيان، كانت عائلة أم علي تعيش حياة مستقرة نسبياً وأحوالهم المادية متوسطة، وبسبب النزوح ساءت أوضاعهم المادية كما جميع العائلات التي هجرت عن مدنها وقراها، وتعمل بقطف ثمرة الشفلح (القبار) لسد حاجيات عائلتها المهجرة.

تشرح لنا أم علي كيف وقفت إلى جانب زوجها المريض في بلد النزوح: “بعد نزوحنا من البلدة، ولعدم قدرة زوجي على العمل بسبب مرضه، اضطررت للبحث عن أي عمل أجده من أجل تأمين مصروف عائلتي وسد حاجياتها، عملت في عدة أعمال، ففي فصل الربيع كنت أذهب إلى الجبل لقطاف نبات الحويش، وأيضاً عملت في الأراضي المزروعة بنبات الكمون والعدس، فأقوم باستخراج الأعشاب الضارة من بينها وهو ما يسمى باللغة العامية (عيادة)، أما فصل الصيف والحمد لله هو فصل خير للناس يوجد به عدة مواسم للعمل، عملتُ بقطاف المحلب والكرز ببلدة كنصفرة بريف إدلب الجنوبي، وكانت الأجرة التي أتلقاها مقابل اليوم الواحد جيدة، فهو عمل متعب ومرهق ويحتاج إلى المخاطرة فالمكان الذي نعمل فيه قريب من جيش النظام، ولكنه أرحم من الحاجة لطلب المساعدة من الناس”.

هنا بدت علامات الحزن على معالم وجه أم علي، وأطرقت برأسها أرضاً، عندما تذكرت ذلك اليوم الذي خرجت فيه من بلدتها، وتقول: “لن أنسى ذلك اليوم الذي خرجت منه تحت حال الليل والقصف الشديد على البلدة، باتت الليلة وكأنها نهار لشدة القصف خرجنا بثيابنا تاركين خلفنا منزلنا وأرزاقنا، ولم نأخذ معنا إلّا الذكريات الجميلة الراسخة في ذاكرتنا، صحيح أن فراق الديار صعب جداً ولكن الحمد لله على كل حال”.

وغالبتها دموع عينيها التي حاولت اخفاءها دون جدوى عندما حدثتنا عن مرض زوجها: “كان زوجي يعمل في سلك الشرطة في مدينة اللاذقية، وكانت حياتنا هادئة ومستقرة لا ينقصنا شيء، ولكن بسبب إصابته بمرض التهاب الكبدB وداء كرون والكولون العصبي، اضطر للتقاعد لعدم قدرته على متابعة عمله، وهنا بدأت أعمل كي أؤمن مصروف المنزل عوضاً عن زوجي”.

وأخبرتنا أم علي أن موسم قطاف ثمرة نبات الشفلح، ما بين شهر أيار حتى شهر أيلول من كل عام، موسم مهم بالنسبة للناس الفقراء وهم ينتظرونه بفارغ الصبر، تقول: “ينتظر الكثير من أهالي المنطقة الفقراء قدوم شهر أيار حتى شهر أيلول من كل عام، للبدء بقطاف ثمرة الشفلح الشوكية، لبيعها في الأسواق بهدف تأمين قوت عيشهم، فالعمل بقطاف ثمرة نبات الشفلح يعتبر مصدر رزق لهم”. نبتة الشفلح، أوالقبار، شجيرة معمرة، ويمكن أن تنمو ليصل ارتفاعها إلى مترٍ واحد، وتتميز بأنظمة جذرية واسعة النطاق، وتنمو، وتزهر في الفترة ما بين شهر أيار إلى تشرين الأول، وتوجد هذه الشُجيرة في البيئات القاسية، وتحتوي على العديد من المواد الكيميائية المفيدة التي تُستخدم في العلاجات التقليدية.

وعن معاناتها أثناء قطاف ثمرة الشفلح حدثتنا، قائلة: “تواجهنا متاعب كثيرة أثناء قطافها لأنها تحتوي الكثير من الأشواك وهذا ما يستغرق وقتاً أطول بقطافها، وأنا أجمع في اليوم الواحد 3 كيلو غرام، وأبيعها في كل يوم حتى لا ينقص وزنها بسبب الجفاف”.

وعن الصعوبات التي تواجهها تذكر أم علي: “بعد المسافة بين مكان إقامتنا الحالي ومكان نمو نبات الشفلح، فيتوجب علينا استقلال سيارة إلى هناك، وقد أصبح أجار السيارات مرتفع جداً”.

داخلنا الحديث ولدها أحمد (18 عاماً)، معبراً عن شكره لوالدته على سعيها الدائم من أجل تأمين مصروف العائلة خلال مرض والده، قائلاً: ” بسبب مرض والدي اضطرت أمي للبحث عن عمل من أجل تربيتنا وتلبية احتياجاتنا، فبدأت تعمل بأي عمل يتاح لها، وأنا أحاول مساعدتها قدر ما أستطيع، وأنا الآن في الصف الثالث الثانوي (البكالوريا)، وأتمنى أن أنجح وأحصل على مجموع يؤهلني لدخول الجامعة وأصبح معلماً في المستقبل، كي أساعد والدتي في مصروف المنزل، فهي تعمل كثيراً من أجلنا أنا وإخوتي الله يحميك، يا أمي الغالية ويديمك فوق روسنا يا أغلى أم”.

كانت أم علي تنظر إلى ولدها والابتسامة على وجهها، وقالت: “الله يحميلي إياك أنت وإخواتك يا مهجة قلبي”.

أثناء حديثنا سمعنا صوت رجل ينادي في الخارج على أم علي، فتجيبه: “أهلاً وسهلاً أبا مصطفى تفضل”، وبعد أن ألقى السلام طلب الشفلح الذي جمعته أم علي وابنها، وكان يحمل بيده ميزاناً إلكترونياً لوزن الشفلح، وبعد أن انتهى من وزن الشفلح، أحب أن يشاركنا الحديث، قائلاً: “أنا آتي كل يوم إلى أم علي لشراء الشفلح الذي تجمعه، فهي امرأة مجدة ومكافحة، والشفلح الذي تقوم بجمعه جيد ونظيف، أشتري الكيلو الواحد بأربعة آلاف، ما يقارب دولاراً ونصف”.

كان يجالسنا زوجها، ويستمع إلى حديثنا فأحب أن يعبر عن امتنانه لزوجته أم علي، قائلاً: “أم علي نعم الزوجة، فهي امرأة عظيمة، وقفت إلى جانبي بكل الظروف والمحن التي تعرضنا لها وأقدر عملها المتعب ومساعدتها لي والله يقدرني على مكافأتها، والبيت بدونها ما بيسوى شي”.

كانت أم علي تستمع إلى كلام زوجها بكل فخر وردت، قائلة: “أنت رفيق دربي وسندي بهذه الحياة، فكيف لا أقوم بكل ما أستطيع من أجلك أنت والأولاد، فأنتم حياتي كلها”.

“أتمنى من كل امرأة أن تقف بجانب زوجها، وتكون عوناً وسنداً له في مواجهة جميع ظروف الحياة، ولا يسعني إلّا أن أرجو الله أن يعم علينا الأمن والاستقرار، وألّا يطول غيابنا عن بلدتنا وتكون عودتنا قريبة، وأن يعود جميع المهجرين إلى ديارهم”، ختمت أم علي حديثها.

إعداد: كادر موقع “فرش أونلاين”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى