تقارير

غلاء الأسعار والنزوح يمنعان العديد من الأهالي من تحضير مؤونة هذا العام


تبدأ سيدات المنازل في مثل هذا الأيام من كل عام بتجهيز وتحضير “المونة” لفصل الشتاء، التي يبدأ موسمها في شهر آب وحتى شهر أيلول، إذ تعمل السيدات على تفريغ أنفسهن للعمل على إعداد “المونة” من الخضراوات والألبان والأجبان وغيرها لتكون تلك الأصناف سنداً للعائلة في شهر الشتاء القاسي، وتستغل السيدات هذين الشهرين كون الخضرة وغيرها من الأصناف تكون أرخص وأقل ثمناً من بقية الأشهر لعدم توفرها وإن وجدت فإن أسعارها ستكون مرتفعةً أضعافاً مضاعفة.

وتتنوع “المونة” السورية وتشمل أنواعاً عديدة منها المربيات والألبان والجبن بنوعيه (البقر والغنم)، والمخلل ورب البندورة أو كما يسميه السوريين دبس البندورة، إضافة للملوخية والنعناع والبقوليات بأنواعها المختلفة (عدس وحُمص وفول وفاصولياء ولوبة) وغيرها.

وبالنسبة للسوريين فإن أهم أصناف “المونة” هو “المكدوس” الذي يعتبر طبقاً أساسياً على مائداتهم، ويحضر من الباذنجان والجوز وزيت الزيتون الأصلي.

وعن طريقة إعداد “المكدوس” تقول أم كامل سيدة من مدينة إدلب لفرش اونلاين:”إن إعداد وتحضير المكدوس يتم بالطريقة الآتية، في البداية يتم طهي الباذنجان ومن ثم يتم كبسه لمدة خمسة أيام أو أكثر (تختلف هذه المدة بين منطقةٍ وأخرى)، وقبل ذلك تكون العائلة قد اشترت الفليفلة الحمراء وقامت بنشرها على أشعة الشمس فترة من الزمن”.

وتضيف “أم كامل”، إنه وبعد انتهاء مدة كبس الباذنجان يتم حشيه بالفليفلة الحمراء والجوز ويوضع في مرطمانات زجاجية وبلاستيكية ويضاف إليه زيت الزيتون الأصلي وهناك قسم كبير من العائلات يفضل استخدام الزيت النباتي لرخصه مقارنةً بالأصل”.

وتعد” المونة” من التراث والتقاليد القديمة للشعب السوري، إذ جرى العمل عليها من قديم الزمان، وهي متوارثة من جيل لجيل، حيث تقوم على تخزين المواد الغذائية على مبدأ (النمل)، حين يجمع القمح في فصل الصيف ليأكله في الشتاء.

وخلال السنوات الأخيرة واظبت العائلات السورية على تحضير “المونة” بالرغم من الحرب الدائرة وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكان لتحضير “المونة” في بعض المناطق السورية دوراً هاماً في فترات الحصار الذي فرضه نظام الأسد على عشرات المدن والبلدات الثائرة، إذ كانت بمثابة حبل النجاة لهم في وقت مُنع فيه دخول المواد الغذائية والخضروات وغيرها لتلك المناطق.

تقول الحاجة “خديجة الإسماعيل”، وهي نازحة من مدينة كفرنبل، لفرش اونلاين:”إنه في كل عام في شهري آب وأيلول نقوم بتحضير وتجهيز المونة لفصل الشتاء، وهي عادة متوارثة لدينا، وتتنوع أصناف وأنواع” المونة” التي نخزنها ومنها (المكدوس والدبيركة والألبان والجبن والشنكليش) بالإضافة إلى تجفيف الباذنجان والكوسا للمحاشي، كما ونقوم بتخزين الملوخية والنعناع والبقوليات بأنواعها والمربيات والدبس”.

وتضيف” يعتبر تحضير المونة عادة متوارثة ولها طقوسها الخاصة، وكنا في السابق نتسابق نحن النساء في تحضيرها وإعدادها للشتاء، لكن الآن كبرت في السن ولم يبقى لدي القدرة على العمل، وخاصة بعد نزوحنا من المدينة”.

غياب المونة لدى السوريين هذا العام

بالرغم من استمرار الحرب منذ سنوات وغلاء المعيشة إلا أن السوريين لم يتخلفوا عن تحضير “المونة” للشتاء، ولكن بعد توالي موجات النزوح والتي كان آخرها العام الفائت ونتيجة الأوضاع المادية والاقتصادية وتدهور سعر صرف الليرة السورية ووصولها لأرقام قياسية أمام بقية العملات، لم تتمكن أغلب العائلات من تحضيرها.

تقول السيدة “أم يوسف” لفرش أونلاين: “إنها لم تتمكن من تحضير كافة أصناف المونة هذا العام بسبب النزوح وارتفاع الأسعار بشكل كبير في الأسواق”.

وتضيف “إن الأصناف التي حضرتها قليلة مقارنة بالأعوام السابقة قبل نزوحها من مدينة كفرنبل، والأصناف هي القليل من (الجبن الألبان والملوخية والمكدوس)، مع إنها كانت تحضر كافة الأصناف وبكميات تكفي عائلتها.

وتتابع “إنها كانت تعتمد في تحضير المونة على البستان الذي تمتلكه عائلتها، إلا أنه وبعد النزوح بات تحضيرها صعباً”.

لم يكن النزوح وحده الذي منع العائلات من تحضير وتجهيز “المونة” إنما تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وتحديداً الدولار الأمريكي وغلاء أسعار الخضروات والفواكه والمواد الغذائية كان سبباً في عدم قدرتهم على تحضيرها.

يبدو بأن شتاء هذا العام سيكون قاسياً على الكثير من العائلات السورية مع عدم قدرتهم على تخزين أصناف “المونة” في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والتدهور الاقتصادي الحاصل في البلاد.

إعداد حمزة العبدالله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى