حياة شهيد

طفلٌ أبى الذل فلحق بركب الشهداء

هو شابٌ من أبناء قرية كفر نوران بريف حلب الغربي، ولد في الرابع من شهر نيسان 2017، ولد واستشهد ولم يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، متزوج وله ابنة وحيدة تركها وهي في الشهر الثالث من عمرها.
ترعرع ضمن أسرة فقيرة تتألف من ثمانية اشخاص أربع شبان وأربع فتيات ووالديه، هو بمثابة الطفل المدلل كونه الطفل الأصغر فيها.
درس فيها المرحلة الابتدائية ولم يكمل بسبب حالة والده وكثرة أفراد اسرته ترك مقاعد الدراسة في مرحلة الطفولة فقد دخلها في سن السادسة وتركها في الثانية عشر، ووهب نفسه للعمل لمساعدة بقية أفراد اسرته بسبب المعيشة القاسية التي فرضتها عليه الظرف القاسية.
بدأت الثورة السورية ولم يبلغ بركات من العمر 12عاماً، لم يكن يعرف بركات سوى مقاعد الدراسة واللعب في شوارع القرية الريفية التي تشتهر بخصوبة أرضها وجمال طبيعتها ولكن بطش الأسد وظلمه أجبره على التدخل رغم سنه الصغير.
خرج بركات يهتف ببراءة صوته وجماله، هتف مع باقي أطفال القرية ونادى بالحرية ولم يكن يعرف معناها بعد، وحمل أغصان الزيتون وخرج يمشي في شوارع قريته الصغيرة التي لا تتعدي مساحتها الكيلو مترين، جاب شوارعها ورفع رأسه بعزة وكرامة ولم يعرف معنى الخوف ولا الخطر الذي يحيط به.
اشتدت حدة التوتر واتسعت رقعة المظاهرات في سوريا وخرج الكبير والصغير في ثورات سلمية تهتف وتنادي بالحرية، ولكن بطش شبيحة الأسد لم يعرف معنى تلك الكلمات التي كان يرددها بركات ورفاقه، بدء بالقتل والدمار زج بآلته العسكرية ضمن المدن والقرى وكان لكفر نوران نصيب من تلك الآلة الحاقدة.
ومع استمرار تلك الأعمال العدائية من قبل نظام الأسد وشبيحته استمر بركات في الخروج بالمظاهرات ومساعدة الثوار في بعض الأعمال التي تناسب سنه الصغير كونه لا يعرف استخدام السلاح، ولكن الظروف القاسية فرضت علية الخروج في دورات تدريبية للتعلم على كيفية استخدام السلاح للدفاع عن أرضه وعرضه.
وبعد تخرجه من عدة دورات عسكرية واتقانه لاستخدام السلاح بدأ بركات بالكفاح المسلح ضد قوات الأسد وخرج مع عدة فصائل عسكرية وشارك في عدة معارك بريف حلب الغربي والجنوبي ومنها معركة الساتر في منطقة خان طومان بريف حلب الجنوبي.
سارعت أم بركات لتزويجه خوفاً لفقده دون أن ترى أبنائه وحرصاً منها على عدم تكرار خطأها مع أخيه يوسف، فبركات أخٌ لشهيدين هما يوسف وأحمد، تزوج بركات من إحدى فتيات القرية ودخل حياة الزوجية معها، ولم يمر زمن طويل حتى حملت زوجته ووضعت له طفلته التي استشهد ولم تبلغ من العمر ثلاثة شهور.
السيد علي حسين بركات شقيق الشهيد لفرش أون لاين:”بركات كان بالنسبة للعائلة هو الطفل المدلل فهو أخي الصغير ،لم نعرفه إلا وهو مبتسم وكانت حركاته الطفولية في المنزل سبب فرحتنا جميعاً، كبر بركات وكبر معه هم الدفاع عن أرضه وعرضه وعشق الثورة والتحاق بالثوار، كان يعمل معهم دون أي مقابل وبعد أن حمل السلاح خرج بركات دون أن نعلم بشيء ، كان يقول لنا أنه خارج لزيارة صديقه في مكان ما ويذهب الى خطوط الجبهات للدفاع عن أهله وعرضه، تلقيت نبأ استشهاده وكأنها صاعقة نزلت من السماء فقد رحلت فرحة العائلة، ولكن عزائنا أن نحسبه عند الله من الشهداء”.
والدة الشهيد بركات لفرش أون لاين:” لا أريد أن اتحدث عن طفولته فهذا الأمر يشق صدري ويفطر قلبي، فهو طفلي الصغير والمدلل وكان بالنسبة لي بمثابة هذه الدنيا وخاصة بعد أن فقدت أخيه يوسف، لم اتحمل خبر وفاته أصبحت ادور في مكاني والتفت الى ابنته الصغيرة وأقول لها ذهب طفلي يا طفلتي الصغيرة، أصبحت بلا أب رحل ابوك الى جنان الخلد وتركني أعيش عذاب الأم الثكلى، لم يبقى لي من بركات سوى طفلته التي تخفف من عذابي وألمي وحزني عليه”.
هكذا كانت قصة بركات ذلك الطفل الصغير الذي عارض كل من له علاقة به وأبى أن يخضع للذل وخرج مع ثوار قريته الصغيرة ليرتقي شهيداً على جبهة الراشدين بريف حلب الغربي في الرابع من شهر نيسان عام 2017 وترحل بسمة تلك العائلة المنكوبة بفقدها ثلاثة من أبنائها، ويبقى الأمل برابعهم الذي هو الآخر لم يفارق الجبهات منذ فقد أخوته الثلاثة.

 

إعداد: محمد سعيد العباس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى