تقارير

أحد عشر عاماً على الثورة السورية.. غياب الحلّ السياسي واستمرار المراوغة الروسيّة

يقول الشاعر أبو القاسم الشابي في قصيدة إرادة الحياة، “إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”، لكن كتب على الشعب السوري أن يعيش أكبر وأطول أزمة إنسانية في العصر الحديث بعد خروجه في انتفاضة الخامس عشر من آذار 2011 ضد نظام الأسد الذي سخر كل إمكانياته في قتل المدنيين وحصار مدنهم واستخدام التجويع ومختلف أنواع الأسلحة ومنها المحرم دولياً بهدف إعادتهم إلى طاعته وإسكات حناجرهم التي هتفت بإسقاطه.

وتمر اليوم الذكرى الحادية عشر لبدء ثورة السوريين، لتأكد مجاميع المتظاهرين في المناطق المحررة ودول الجوار والشتات استمرار الحراك حتى نيل حريتهم المنشودة وذلك بإسقاط نظام الأسد وكافة رموزه.

كشفت الثورة السورية حقيقة نظام الأسد الوحشية في التعامل مع المدنيين السلميين، كما وعرت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان التي تتخذ من مصطلحات الإنسانية شعارات لها، فالمجتمع الدولي خذل السوريين وتركهم لوحدهم في مواجهة منظومة الأسد الاستبدادية وحلفائه الروس والإيرانيين.

                   الثورة السورية والتدخل الروسي

شكل التدخل العسكري الروسي نقطة تحول كبيرة في مسار الثورة السورية، روسيا التي تعد ثاني أقوى قوة عالمية ساندت نظام الأسد في حربه ضد السوريين على الصعيدين العسكري والسياسي، واستخدمت مختلف أسلحتها الحديثة في قصف المدن والبلدات باتباع سياسة الأرض المحروقة وقضم المناطق الثائرة واحدةً تلو الأخرى بعد الحصار والتجويع، تلي ذلك التدخل تغيير في خارطة السيطرة وميزان القوى بين الفصائل العسكرية وقوات “النظام”.

زاد ذلك التدخل تعقيد المشهد السوري المعقد أصلاً بسبب أهمية الموقع الجغرافي للبلاد، واتباع أساليب المراوغة والخداع فتارةً ما كانت تدعو إلى الحل السياسي وتؤكد عليه وفي الوقت عينه تجوب طائراتها سماء المدن لتلقي حممها على المدنيين، لتنجح في إطالة أمد الأزمة الإنسانية التي شتت السوريين في مخيمات النزوح شمالي سوريا وبعض دول الجوار وبلدان اللجوء. 

يقول وائل علوان الباحث في مركز “جسور” للدراسات لفرش:” إن المجتمع الدولي خذل السوريين ولو أراد لكان دعم فصائل الثوار عسكرياً لإسقاط نظام الأسد لكنه اختار سياسة الاستنزاف لكافة القوى المتحاربة للوصول إلى “لا غالب ولا مغلوب”، وهو ما أدى إلى إطالة أمد الثورة”.

واعتبر “علوان” أن روسيا لم تنجح في فرض واقع سياسي جديد، إلا أنها انقذت نظام الأسد من السقوط المؤكد وقتها، لا سيما أنها تستخدم الملف السوري في مفاوضاتها مع القوى الغربية للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وترسيخها بشكل دائم، من جهته اعتبر المحلل السياسي عبد الكريم العمر خلال حديثه لفرش، أن التدخل العسكري المباشر لروسيا ساعد نظام الأسد ومكنه من فرض معادلة عسكرية جديدة بعد خسارته لمناطق واسعة قبيل ذلك الوقت، إلا أنها لم تتمكن من فرض واقع سياسي جديد كونها لا تعتبر اللاعبة الوحيدة هناك في ظل تعقيدات الوضع السوري ووجود قوات عسكرية أمريكية وتركية وإيرانية لكل منها مصالح خاصة.

                         غياب الحل السياسي

تعمدت روسيا بعد تدخلها إلى ترجيح كفة المسار العسكري لصالح نظام الأسد على حساب المعارضة السورية عبر دعمها اللامحدود للأول ورعايتها لمؤتمرات سياسية أفضت في نهايتها إلى تحول جذري في خارطة السيطرة العسكرية، ما مكنها من الالتفاف على مفاوضات جنيف وإيجاد مفاوضات جديدة سهلت لها ولحليفها الأسد استمرار المراوغة والتزييف وإغراق المعارضة السياسية في التفاصيل، الأمر الذي أكده مراراً وزير خارجية الأسد السابق وليد المعلم.

ويعتقد “علوان”، أن القوى الدولية المتواجدة في سوريا، لا تريد حل الملف السوري سياسياً بسبب عدم تحصيلها لمصالحها الاستراتيجية، على حد تعبيره، بدوره ربط المعارض السوري جورج صبرا إمكانية تسوية الملف بتطورات الحرب الروسية-الأوكرانية وما ستؤول إليه مفاوضات فيينا بين الدول الكبرى وإيران حول ملفها النووي.

وقال “صبرا” لفرش:” إن تغييرات وتسارع الأحداث في أوكرانيا بعد التدخل الروسي فيها وعدم تحقيق الروس لأهدافهم من العملية العسكرية، قد يدفع الولايات المتحدة والدول الغربية إلى تعويم الملف السوري من جديد على طاولة المفاوضات، حالما يدركوا فشل الخطة الروسية ضد أوكرانيا، لممارسة مزيد من الضغوطات على روسيا وهي التي تواجه حالياً أقسى العقوبات الأمريكية والغربية منذ عقود إضافة للعزلة التي فرضت عليها، وهو ما يمكن اعتباره تصحيحاً للسياسة الدولية تجاه ثورة الشعب السوري”.

واعتبر “صبرا”، أن الحل السياسي الوحيد في سوريا، هو ما جاء في بيان جنيف الأول ووفقاً للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة، مطالباً السوريين برفض مساري “أستانا” و “سوتشي” الروسيان والتمسك بمسار جنيف كونه الوحيد الذي ينص على ضمان عملية انتقال سياسي حقيقية في البلاد خلافاً لتلك المسارات التي تهدف روسيا من خلالهما إلى كسب المزيد من الوقت والمراوغة لتمكين نظام الأسد من حسم المشهد العسكري لصالحه.

بدوره يرى “العمر”، أنه لا حل سياسي قريب في سوريا، لا سيما مع عدم إيلاء المجتمع الدولي لأهمية تذكر تجاه قضية السوريين طيلة تلك السنوات، وغض النظر على كافة الجرائم الوحشية التي ارتكبت بحقهم مع اقتصار ردود الأفعال الدولية على الشجب والتنديد وفرض العقوبات الاقتصادية.

وتابع “العمر”: ” قد يعود الزخم للملف السوري مجدداً في ظل انشغال روسيا بحربها ضد أوكرانيا، إلا أن ذلك يعود إلى جدية المعارضة السورية في توحيد صفوفها ولملمة شتاتها والعمل على إعادة هيكليتها بما يتوافق مع الواقع الدولي الجديد”.

يجدد الشعب السوري اليوم في ذكرى الثورة التأكيد على استمرار الكفاح والسير في طريق اختاره قبل سنوات طويلة بالرغم من معرفتهم بصعوبته وخذلان الجميع لهم، حتى الوصول إلى الدولة الجديدة التي يحلم بها كافة السوريين بعيداً عن نظام الأسد الذي ارتكب أفظع الجرائم بحقه.

إعداد: حمزة العبد الله  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى